للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن احتج بسبق علم الله بذنبه، احتج الله عليه بسبق علمه بعذابه، ونحو ذلك.

وسِرُّ المسألة أن الكُلَّ مقدورٌ، والمقدور واجب الوقوع عقلاً وسمعاً، ولا يُسأل عن واجب الوقوع: لم وقع، ولا ما الفائدة في فعله، وإنما محارات العقول، بل المحال فيها عدم وقوعه لو صح فرض ذلك وتقديره.

يُوضِّحُه أنا لو فرضنا وقوع الأمور على خلاف علم الرب عز وجل، وخلاف قدره السابق، وقضائه الماضي، لكان هذا محالاً فيه باعتبار إبطال المعلوم، فيجب أن لا يكون نقيضه محارةً ولا مُحالاً، ولا موضع دِقَّة وغموض، وإشكال وحَيرة، إذ يمتنع أن يتصف النقيضان معاً بذلك.

وتحقيق الجواب النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام، أن الأفعال إن كانت فيها فائدة، بطل السؤال، وإن لم يكن فيها فائدةٌ، تعيَّن وقوعها بالقدر (١)، فإن جميع المسلمين يعلمون أن عِلْمَ الله تعالى قد سبق، وتعلَّق بجميع الكائنات مما كلفهم ومما لم يُكلِّفْهُم، وعلموا أنه يستحيل تغيُّر علم الله تعالى، ثم هم لا ينفكُّون عن العمل في أمور دنياهم ودينهم، فكما أنهم يأكلون ويشربون ويزرعون ويَسعَوْنَ في طلب المنافع ودفع المضارِّ مع علمهم بسبق العلم بذلك وأنه لا يتغيَّر، فكذلك مع علمهم بذلك (٢) يسعون في أعمال الآخرة على حسب المقادير، فلذلك ترى كثيراً ممن يؤمن بالقدر أحسن عملاً من كثيرٍ ممن ينفي القدر وعكس ذلك.

وخلاصة الجواب أن العمل مُقَدَّرٌ، فكيف يستأذنون في تركه، ولا سبيل


= أهل العلم بالحديث، ففيه عدد غير قليل من الأحاديث الضعيفة والموضوعة. والحديث بطوله تقدم عند المؤلف ٥/ ٩١ - ٩٤ من رواية الطبراني، وهو مخرج هناك.
(١) في (ش): " بالقدرة ".
(٢) من قوله: " وأنه لا يتغير " إلى هنا سقط من (ف).

<<  <  ج: ص:  >  >>