للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثالٌ لبعض (١) ذلك: التروك، فإنها توصف بالتحريم متى كانت تُروكاً للواجبات ويستحق عليها الذم والعقاب، وتوصف بالوجوب متى كانت تُروكاً للمحرمات ويستحق عليها الثناء والثواب، مع أن التروك عند جماهير المعتزلة عدمٌ محضٌ، وإنما هي جهةٌ لاستحقاق الذم والعقاب، أو الثناء (٢) والثواب.

ومن قال منهم: إنها كفُّ النفس، وأن الكفَّ أمرٌ ثبوتي كالبَلْخِي والجُبَّائي، قال: إن الحُسْنَ والقبح الذي في التروك عَدَمِيٌّ إضافي، لأن الترك الواحد قد يكون كفّاً عن الواجب والحرام معاً، مثل من ترك الصلاة والظلم واشتغل بالمباح، فإن المباح عند هؤلاء واجب بالنظر إلى كفه عن الحرام، وحرام بالنظر إلى كفه عن الواجب.

فلو كان الوجوب والتحريم حقيقِيَّيْنِ كالسواد والبياض لم يجتمعا، فدل على أن الحسن والقبح ليسا بشيء حقيقي، وأن جميع الطاعات والمعاصي ليست بذواتٍ وأشياء تحتاج إلى قدرة الرب تعالى عند الجميع.

وقد يظن أن الجويني وأبا الحسين يخالفان في هذا، وليس كذلك، كما سيأتي مُحَقَّقاً إن شاء الله تعالى.

ومن أدَقِّ ذلك الكلام في الكذب، فإنه لا يجوز أن يضاف الكذب إلى الله تعالى عند أهل السنة، لأنه لم يكن كذباً لذاته التي أثَّرت فيها قدرة الله تعالى، بل الصحيح عند المعتزلة أيضاً أنه لا يكون كَذِباً إلاَّ كذلك بحيث إنه عندهم إذا جُرِّدَ عن نسبة بعضه إلى بعض بالقصد لم يُوصَفْ عندهم بانه صدق ولا كذب.

فإن قلت: وما ذاتُه الموجودة بقدره الله تعالى عند أهل السنة؟

قلت: أحد أمرين: إما مجرَّد الصوت، لأنه من المُتَولَّدات عن الاعتماد، والمتولدات عندهم كلها فعل الله لعدم اختيار العبد فيها بعد وجود سببها كسواد


(١) في (ش): بعض.
(٢) في (ش): والثناء.

<<  <  ج: ص:  >  >>