للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجوه والاعتبارات الإضافية، وهي لا تقع على تلك الوجوه بقدرة الرب عند الفريقين أيضاً، لأن تلك الوجوه ليست بأشياء حقيقيةٍ عند الجميع، والمضاف إلى قدرة الله تعالى في أفعال العباد إنما هو إخراج ذوات الأفعال التي هي أشياء حقيقيةٌ من العدم إلى الوجود، وقدرة العبد تؤثر في وقوع ذوات الأفعال على تلك الوجوه المختلفة، ولأجل وقوعها بقدرة العبد وحده على تلك الوجوه استحقت أسماءً لا يصح إطلاقها على الله تعالى مثل: العبادة والطاعة والمعصية، فلو وقعت تلك الوجوه بقدرة الله سبحانه لزم أن يُسَمَّى مطيعاً وعابداً وعاصياً ومُصَلِّياً وصائماً، ونحو ذلك.

فلما كانت هذه الأسماء لا تطلق عليه، إنما يطلق عليه أنه الخالق الموجد المبدع، دلَّ على أن متعلق قدرته سبحانه هو ما اشتق له منه الأسماء الحسنى، وأن الاشتقاق من الفعل الواحد يختلف بحسب اختلاف وجوهه.

كما أن إيلام اليتيم ذاتٌ واحدة، وأسماؤه وصفاته تختلف، فحين يكون تأديباً له ممن له ذلك يُسَمَّى تأديباً وإحساناً وإصلاحاً وقربةً وطاعةً، وحين يكون على ضد ذلك يُسمى معصيةً وظلماً وعدواناً، وحين يكون من الله تعالى يستحيل فيه اسم المعصية والطاعة والظلم والقبح، ويبقى اسم الإحسان والإصلاح والتأديب.

فهذا شيء واحد اختلفت أسماؤه لوقوعه على الوجوه المختلفة، فكذلك سائر الذوات الموصوفة بالقبح، متى استحقت اسم القبح لوجهٍ وقعت عليه بقدرة العبد لا يستحقه لعدم ذلك الوجه حين تقع تلك الذات منسوبةً إلى قدرة الرب.

وبالجملة فإن المعتزلة والأشعرية اتفقوا على أن المعاصي والطاعات كلها ليست هي الذوات المُخْرَجة بالقدرة من العدم إلى الوجود، وإنما هي وجوهٌ تقع الذوات عليها، وجهاتٌ لاستحقاق الذمِّ والعقاب، والثناء والثواب، وتلك الوجوه لا نحتاج إلى قدرة الله لتُؤَثِّرَ فيها على انفرادها، لأنها ليست بأشياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>