للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك اختلافهم في بعض صفات الله تعالى، ثم لا يُكَفِّرُ بعضهم بعضاً بذلك، وإذا خالفهم السني في شيءٍ منها، تَمَحَّلوا تكفيره بأنه قد عبد غير الله.

والقصد بهذا تنبيه الغافل على ما بين الفِرَقِ من العصبية لعله يتقي الله تعالى في التقليد في التكفير والتفسيق، ويرجع إلى النظر الصحيح والتحقيق.

الوجه الثاني: -وهو المعتمد- أن التكفير سَمْعِيٌّ قطعي عند المعتزلة، والصحيح أن كل قطعي من الشرع فهو ضروري، والمعلوم ضرورةً أو قطعاً من السمع إنما كفر من اعتقد في أمرٍ أنه قبيح ثم نسبه إلى الله تعالى، ومن ادَّعى كُفْرَ من أخطأ في استحسان قبيحٍ وتجويزه على الله تعالى لحسنه عنده من الله تعالى، احتاج إلى دليلٍ قاطعٍ، بل ضروي من السمع، وهذا غير موجودٍ قطعاً.

الوجه الثالث: أن قدرة الله تعالى عند هؤلاء إنما أثَّرَتْ في مجرد الذات الحقيقية، وهي: الحركة والسكون، بل (١) المرجع بهما عند المعتزلة والأشعرية إلى مجرد اللبث في الجهة مع شروط عدميةٍ وإضافيةٍ مثل شرط النُّقلة في (٢) الحركة، وشرط البقاء في السكون.

ولا شك أن لبث الجسم في حَيِّزٍ إما فعل الله، لأن العبد لا يقدر على الانفكاك من ذلك القدر الذي هو حقيقة الذات في الأفعال عندهم، وإنما يكون اختيار العبد في صفات ذلك اللبث وأحواله التي يقبح بسببها ولم تُعَلَّقْ قدرة الرب بها.

وأما الذات التي تعلقت قدرة الرب بها، فإنها لا تُوصَفُ بقُبْحٍ باتفاق الفريقين من المعتزلة والأشعرية، وإنما تَقْبُحُ عند الجميع لوقوعها على بعض


(١) في نسخة (ش) ضرب على لفظة " بل "، وكتب بدلاً منها بخط مغاير " اللذين " وأشير عليها برمز " صح ".
(٢) في (أ) و (ف): والحركة، وكتب فوق الواو (ظ: في)، وهي كذلك في (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>