للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الأسماء، فخالفوا بين هذه العبارات لتدل على تلك المعاني المختلفات.

فدلَّ على أن الاختيار غير الإرادة، وعلى أن الاختيار قد يُطلق عليها (١) عند وقوعها على وجهٍ مخصوص، فهو في بعض اعتباراته وصفٌ من أوصافها، أو حالٌ من أحوالها.

فالإرادة بنفسها من غير نظرٍ إلى تعلقها بشيء، هي ذاتٌ حقيقية، ووجودها غير متعلقةٍ صحيحٌ عند المعتزلة، والعبد مكلف بتعليقها بوجوه الحسن دون القبح، وتخصيص الفعل بوقتٍ دون وقت، وقدرٍ دون قدر، وهذا التعليق والتخصيص هو بالاختيار لا بالإرادة، بل الإرادة فعلٌ للعبد يقع بالاختيار (٢) فَافْتَرقا.

ولا يُنْقَضُ هذا بقول البيهقي في " الأسماء والصفات " (٣): وأما الاختيار، فقد قال الله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: ٦٨] وهو عند الأشعري يرجع إلى إرادته إكرام من يشاء [من عبيده بما يشاءُ من لطائِفِه]، وهو عند غيره من صفات الفعل، فلا يكون معناه راجعاً إلى الإرادة بمعنى، بل يكونُ راجعاً إلى فعل الإكرام. انتهى بحروفه.

والجواب: أنه لا يُنَاقِضُ ذكرنا عن الأشعرية، فإن الاختيار غير الإرادة على الحقيقة، ولكن الأشعري تأول الاختيار في حق الله تعالى بالإرادة على سبيل المجاز، كما تأول الغضب والسُّخط في حقه تعالى بإرادته الذم والعقاب، وتأول المحبة والرضا بإرادة الثناء والثواب، وهذا عنده في حق الله تعالى.

وأما في حق المخلوقين فلا يجب تأويل شيء من ذلك، بل تُستَعْمَلُ الإرادة، والاختيار، والغضب، والبُغْضُ، والمقت، والسخط، والمحبة،


(١) " عليها " لم ترد في (ش).
(٢) في (ش): بالإحسان، وهو تحريف.
(٣) ص ٥٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>