للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هي الإرادة بعينها، وإذا كانت الإرادة (١) هي المؤثِّرة، لزم (٢) نسبة القبيح إلى الله لأنها أثَرُ قدرته.

فالجواب من وجوه:

الوجه الأول: أنه لا يصح عند الجميع تأثير الإرادة في ذلك، بل ولا الاختيار، لأنهما يوصفان بالقبح، فلو كان القبح يستلزم ذلك احتاج قبح الإرادة وقبح الاختيار إلى إرادةٍ واختيارٍ سابقين، ويتسلسل إلى ما لا نهاية له.

ذكر ذلك ابن متَّويه في " تذكرته " في " الإرادة " دون الاختيار، وذكر وُجُوهاً أُخَر في الإرادة غير مؤثرة في ذلك.

منها: أن المُرِيد لو مُنِعَ من القصد، وهو عالمٌ بقبح القبيح يتمكن من التحرُّز منه، لكان إذا فعله يقبُحُ ذلك منه، ويستحق به الذم ولا إرادة هناك.

فإن قلت: فما المؤثِّر في ذلك، فإنه لا بد من مؤثرٍ معقول (٣)؟ قلت: هذه غفلةٌ عظيمة، فإنا قد (٤) قررنا أن الحسن والقبح ليسا بشيء البتَّة، فكيف يحتاج ما ليس بشيء حقيقي إلى مؤثِّرٍ حقيقي، وقد بينا أنهما يتعلقان بالتروك العدمية المحضة، والعدم يستحيل التأثير فيه، وإنما سُمِّيَ الوجه الذي نشأ منه الحسن والقبح مؤثِّراً فيهما على سبيل المجاز، وذلك الوجه هو الحال الذي وقع الفعل عليه فاستحق به اسم الحسن والقبح ولوازمهما، وهو أمرٌ دقيق.

وقد اشتد اختلاف المتكلمين في الأحوال: منهم من أثبتها كأبي عليٍّ الجُبَّائي من المعتزلة، والباقِلاَّني من الأشعرية.

ومنهم من نفاها. وقد طوَّل الشهرستاني في ذلك، وأَفْرَدَ الكلام فيه في


(١) لفظ " الإرادة " سقط من (ش).
(٢) " لزم " سقطت من (ش).
(٣) " معقول " سقطت من (ش).
(٤) " قد " لم ترد في (أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>