للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن المعلوم أن من استأجر صبَّاغاً ليُبَيِّضَ ثوبه فسوَّدَه غَرِمَ، ومن قتل إنساناً بالسُّمِّ، استَوْجَبَ القَوَدَ، ومن أحرق ثوب إنسانٍ، أو غرَّق سفينة، أو فتح نقباً حتى هلك زرعٌ أو خَرِبَتْ دارٌ، عُوقِبَ على ذلك وضَمِنَ وغَرِمَ، فمورِدُ التكليفِ غير ما اندرج تحت القدرة، وما اندرج تحت القدرة غير مَورِدِ التكليف.

والجوابُ عن السؤال من حيث التحقيق: أنا قد بيَّنَّا وجه الأثر الحاصل بالقدرة الحادثة، وهو وجهٌ أو حالٌ مثل ما أثبتوه للقادرية والأزلية، فخذوا من العبد ما يُشابِهُ فعل الخالق عندكم، ولينظر إلى الخطاب بافعَلْ أو لا تفعل (١)، أو خُوطِبَ أوْجِدْ أو لا تُوجِد، أو خوطِبَ: اعبد الله ولا تشرك به شيئاً، فجهة العبادة التي هي أخصُّ وصف الفعل حاصلٌ بتحصيل العبد مضافٌ إلى قُدرته، فما ضرَّكم (٢) إضافة أخرى يعتقدها وهي مثل ما اعتقدتموه تابعاً.

فالوجود عندنا كالتابع أو كالذاتي الذي كان ثابتاً في العدم عندكم، والفرقُ بيننا أنا جعلنا الوجود متبوعاً وأصلاً، وقلنا: هو عبارةٌ عن الذات والعين، وأضفنا إلى الله تعالى وجميع ما يلزمه من الصفات، وأضفنا إلى العبد ما لا يجوز إضافته إلى الله تعالى، حيث لا يقال: أطاع الله وعصى الله، وصام وصلَّى وباع واشترى ومشى، فلا تتغيَّرُ صفاته بأفعاله، بخلاف ما يضاف إلى العبد، فإنه يُشتَقُّ له وصفٌ واسمٌ من كل فعلٍ يباشره وتتغير ذاته وصفاته بأفعال، ولا يجحد العلماء بجميع (٣) وجوه اكتسابه وأعماله، وهذا معنى ما قاله الأستاذ أبو إسحاق: إن العبد فاعلٌ بمعنى، والرب سبحانه فاعلٌ بمعنى.

ثم ذكر الشهرستاني الجواب على أصل الأشعري والجبرية الخُلَّص بنحو ما تقدم من قول الرازي عنهم، إلى أن قال: ومما يُوضِحُ الجواب غاية الإيضاح أن التكليف بافْعَلْ ولا تفعل، ورد بالاستعانة بالله تعالى في نفس المكلف به كقوله: {اهْدِنا الصِّرَاطَ المستَقِيمَ} [الفاتحة: ٦]، وقوله: {رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا


(١) في (أ): أو يفعل، وهو خطأ.
(٢) في (ش): يضركم.
(٣) مكان قوله: " ولا يجحد العلماء " في (ش) بياض.

<<  <  ج: ص:  >  >>