للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لتمكين الله تعالى له ذلك، وسابق مشيئته وتقديره وتيسيره، والتأثير عندهم لقدرة العبد المخلوقة من غير استقلال العبد بنفسه، ولا استغنائه طَرْفَةَ عين عن ربه، لتوقُّف تأثير قدرته على ما سبقها من مشيئة ربه عزَّ وجلَّ وتقديره وتيسيره، وهذه الفرقة طائفتان:

الطائفة الأولى: الذين يقولون إن الأكوان التي هي أفعال العباد كالحركة والسكون ليست ذواتاً حقيقيةً، وإنما هي صفاتٌ إضافيةٌ. ومثال الصفات الإضافية: القبلية والبعدية، فإن اليوم " قَبْلٌ " بالنظر إلى غدٍ، و" بعدٌ " بالنظر إلى أمس، وليس له بذلك وصفٌ حقيقيٌّ كالسوادية والبياضية.

وهذا القول أعدل الأقوال كلِّها وأقواها، وهو المختار لمن سبح في هذه الغمرات، ولم يَقِفْ مع أهل الحديث والأثر في ساحل النجاة. وإنما كان أقوى هذه الاختيارات، لأنه سلم من جميع التكلُّفات، وساعدت عليه قواطع البراهين العقليات، والنصوص السمعيات، أخذ من قول أهل السنة: تأثير القدرة الحادثة في مجرد الأمور الإضافيات، وعدم تأثيرها في وجود الأشياء التي هي ذوات حقيقيات، وسَلِمَ من جميع ما تُورِدُه المعتزلة ويورده بعض الأشعرية على بعضهم من الإشكالات (١).

ولم يبق الخلاف بين أهله وبين سائر أهل المقالات إلاَّ في أن الأكوان صفاتٌ لا ذواتٌ، والدلالة على ذلك من أوضح الدلالات، وقد تقدم ما قلته في ذلك وشرحتُهُ من الأبيات.

وقد توافق على هذه المسألة جماعةٌ جِلَّةٌ من أمراء علم المعقولات والمنقولات، مثل شيخ الإسلام أبي العباس أحمد بن تيمية وأصحابه من متكلِّمِي أهل الحديث والأثر، والإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة من أئمة أهل البيت عليهم السلام، وشيخ الاعتزال أبي الحسين البصري وأصحابه، وهم


(١) في (ش): على بعض الإشكالات.

<<  <  ج: ص:  >  >>