للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الأول: أن العلم (١) لو كان يؤثر، وكذلك سائر الدواعي، لَزِمَ نفيُ القدرة والاختيار عن الرب عز وجل، فإن ما علم الله وجوده أو كان راجحاً، استحال عدمه، وما علم عدمه أو كان مرجوحاً استحال وجوده، ولو كانت هذه الاستحالة إلى ذات المعلوم (٢) رَفَعَتِ القدرة والاختيار، فثبت أنه لا استحالة بالنظر (٣) إلى الذات، وإنما تُطلَقُ الاستحالة هنا مع إطلاق الإمكان باعتبار الجهتين كما مر في أول مسألة الأقدار.

الثاني: أنه يلزم أن يكون العلم (٤) مُغْنِياً عن القدرة وكذلك الرجحان، فيكون ما علم الله وجوده أو ترجَّح وُجِدَ، سواء كان من علم أو من ترجَّح له قادراً أو لا، وفي ذلك انقلاب العلم والدواعي قدرة، وهذا مُحالٌ.

الثالث: أنه يلزم أن يحسن من الله تعالى الاحتجاج على العباد بمجرد سبق العلم بأنه يعذِّبُهم من غير ذنب ولا حجة، ورجحان الداعي وإن لم يكن داعي حكمةٍ كما تقدم في مسألة الإرادة، والسمع بريءٌ من مثل هذه الحجة، والعقل يدرك رِكَّتها إدراكاً ضرورياً، ولو كان في ذلك حجة، لم يقل الله سبحانه وتعالى: {لئلاَّ يكونَ لِلنَّاسِ على الله حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسلِ} [النساء: ١٦٥].

وقد حكى الله تعالى، وحكت عنه أنبياؤه كيفية إقامة حُجَجِه على عباده يوم القيامة، ولم يكن في شيء منها أنه احتج على أحد من خلقه بمجرد سَبْقِ علمه بتعذيبه بغير ذنبٍ ولا حجةٍ، وفي " الصحيح ": أنه " ما أحدٌ أحبَّ إليه العذر من الله " (٥) فسبحان من له الحجة والحكمة والعزة والمشيئة.

الوجه الرابع: أنه كان يلزم أن لا يتعلق العلم بالرب القديم سبحانه، لأنه


(١) بعد هذا في (أ) عبارة " لا يؤثر في المعلوم إجماعاً "، والصواب إسقاطها كما في (ش).
(٢) " المعلوم " سقطت من (ش).
(٣) في (ش): له بالنظر.
(٤) " العلم " سقطت من (ش).
(٥) تقدم تخريجه في هذا الكتاب ١/ ١٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>