للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستحيل التأثير فيه، فلما علمنا تعلُّق علمه وعلمنا بذاته المقدَّسة، علمنا أن تعلق العلم بالمعلوم لا يؤثر فيه ألبتة، وهذا الوجه ذكره الجويني في مقدمات كتابه " البرهان " (١).

الوجه الخامس: ما تقدم في غير موضع من الاحتجاج في هذه المسألة بالسمع المعلوم لفظه ومعناه بالضرورة مثل قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ الله نفساً إلاَّ وُسْعَها} [البقرة: ٢٨٦]، بل عُلِمَ من الدِّين الامتنان على العباد بالسماحة من الممكنات، وأن التكليف ورد باليُسْرِ دون العسر، وبَذْلِ السهولة ونفي الحرج، وسمع ذلك جميع العقلاء من المسلمين وغيرهم، فلم يعترضه أحد.

وكذلك من سمعه من العقلاء، علم صدقه، إلاَّ من مَرِضَ قلبه بداء الكلام، وهذا يدل على أنه الفِطرة، وعلى أن التوغُّل في الكلام يُغَيِّرُ الفطرة، ولهذا لا يوجد من ينكر العلوم كلها إلاَّ في المشتغلين بالمعقولات كالسُّوفِسطَائِيَّة وأمثالهم (٢).

الوجه السادس: ما ذكره ابن الحاجب من أن ذلك يؤدي إلى أن التكاليف كلها محالٌ، قال: وهو خلاف الإجماع مع ما تقدم من الحجج العقلية من وِجْدان الفَرْقِ الضروري بين الحركتين الاختيارية والاضطرارية، والعلم الضروري بحسن الأمر والنهي في أفعالنا، واستحقاق المدح والذم فيها دون أجسامنا وألواننا. وقد أقرَّ بهذا الرازي، ولكن ادعى أنه معارض بعلم ضروري مثله، فأوهم (٣) أن العلوم الضرورية تتعارض، وذلك يستلزم بطلان العلوم، ولم يقل بذلك أحد.

وأما قوله: إن الممكنين لا يقع أحدهما دون الآخر إلاَّ بمرجِّحٍ وإن ذلك ضروري فمُسَلَّم، لكن لزوم نفي الاختيار من هذا غير ضروري، بل ولا نظريٌّ، بل وهميٌّ باطل.


(١) ١/ ١٠٥.
(٢) " وأمثالهم " لم ترد في (أ) و (ف).
(٣) في (ش): فأفهم، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>