للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأفعال مخلوقةً: أي: مقدَّرةً لأن تسميته بذلك بهذا المعنى تسميةٌ صحيحةٌ باتفاق أهل اللغة.

فعلى هذا التلخيص أن الله خالق كل شيء بمعنى التقدير، وخالق كل شيء بمعنى الإيجاد، وما بمعنى الثاني -وهو الإيجادُ- يختص بالأشياء الحقيقية وهي الذوات، ويكون معناه: خالق كل مخلوق، ويخرج منه الأمر مع كونه لله وإلى الله (١) وحده لا شريك له، ولذلك لم يدخل القرآن في قوله تعالى: {خالِقُ كلِّ شيء} [الأنعام: ١٠٢] عند فرق أهل السنة القائلين بقِدَمِه والمانعين من ذلك، على ما مر تحقيقه في مسألة القرآن في آخر الكلام في الصفات، مع أنهم مُجمِعُون مع اختلافهم في القِدم على أن القرآن ليس بمخلوقٍ، وأن القول بأنه مخلوق، ولذلك أنكر ذلك قدماء أهل البيت عليهم السلام كما ثبت في " الجامع الكافي " على مذهب الزيدية، وقد تقدم في مسألة القرآن.

وثبت بهذا أنه لا حجة في العمومات على أن أفعالنا مخلوقةٌ، لأن معنى: إن الله خالق كل شيء، أي: كل شيء يسمى مخلوقاً، ولذلك خرج القرآن من ذلك، لأن الكلام لا يسمى في اللغة مخلوقاً إلاَّ (٢) بمعنى المكذوب، وكذلك لا تسمى أفعالنا بذلك.

فثبت أن كل شيء يسمى مخلوقاً من الأجسام وصورها والطعوم والألوان والروائح وسائر ما في العوالم من نحو ذلك، داخلٌ في أن الله خالق كل شيء، وما لم يثبت أنه يسمى مخلوقاً كأفعالنا لا يدخل في ذلك بمرَّة (٣).

ولو سلمنا أنه يدخل فيه لغةً جاز تخصيص القبائح منه، كما هي مخصوصةٌ من قول سليمان عليه السلام: {وأُوتينا من كلِّ شيءٍ} [النمل: ١٦] بل من قوله تعالى في بلقيس: {وأُوتِيَتْ من كلِّ شيء} [النمل: ٢٣].


(١) عبارة " وإلى الله " لم ترد في (ش).
(٢) " إلا " سقطت من (ش).
(٣) في (أ): ثمرة، وهو تصحيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>