للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألا ترى أنها لم تُؤْتَ ملك سليمان، ولو أُوتِيَتْ ذلك ما قهرها وغلبها، ولو دخلت في هذا القبائح كانت زانيةً بَغِيَّةً، مسافِحَةً مجاهرةً، ولو كانت كذلك ما تزوجها عليه السلام.

يوضحه: أن الله يعلمُ كلَّ شيء، ولا يلزم أن يعلم عدم موجودٍ، ولا سعادة شقيٍّ، ولا كذب صادقٍ، لأن المعنى: يعلم كل شيء معلوم، فكذلك هو خالقُ كل شيء، وكذلك لم يدخل شيء في ذلك من كلمات الله تعالى التي تَقِلُّ البحار عن أن تكون مِداداً لها.

فليلخص (١) من هذا أن أهل السنة وإن أجمعوا على أن أفعال العباد تُسَمَّى مخلوقةً، فلم يعنوا بذلك أمراً يُوجِبُ الجبر وينفي الاختيار، واختلف تفسيرهم لهذه العبارة بما تقوم معه لله سبحانه وتعالى على عباده الحجة البالغة، والحمد لله رب العالمين.

القسم الثاني: من أدلة أهل السنة على خلق الأنعال: ما اختلفوا في صحة الاحتجاج به، وتفرَّد به الفرقتان الأوَّلتان، ومَنَعَ من الاحتجاج به الفرقتان الآخرتان: آيتان وحديثان.

الآيةُ الأولى: {وَمَا رَمَيْتَ إذ رميتَ ولكنَّ الله رمَى} [الأنفال: ١٧] احتج بها من قال بخلق الأفعال أنفسها، وأجاب الآخرون بأنها مَسُوقَةٌ لبيان إعانة الله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في أثر تلك الرمية، أو تولِّيه سبحانه لأثرها كله، وليس في الآية ما يدلُّ على أن الله تعالى هو المتفرِّدُ بكل ما فعل (٢) العبد من جميع الوجوه، وكيف يصح ونص الآية شاهدٌ بإثبات فعل العباد حيث قال: {إذْ رَمَيْتَ} فالله تعالى أثبت الرمي في نص الآية منسوباً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونفاه عنه في نصها أيضا، فوجب تأويلُ ذلك على كل مذهب، وتنزيله منزلة قوله تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: ٤٦] مع قوله تعالى: {لَيسَ على الأعمى حَرَجٌ} [النور: ٦١].


(١) في (ش): فتلخص.
(٢) في (ش): بخلق أفعال.

<<  <  ج: ص:  >  >>