للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوجه في الآية أنها نزلت في رَمْيَةٍ (١) مخصوصة، وقع لها أثرٌ (٢) عظيمٌ لا يقع مثله في الرمي الذي يكون مصدره من قدر العباد وقواهم، فأثبت الله تعالى الرمي منسوباً إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - لِمَا كان منه في ذلك من الكسب اليسير، ونفاه عنه، لأن أثره العظيم منفيٌّ عنه، فنَزَّلَ الله تعالى رَمْيَ رسوله - صلى الله عليه وسلم - منزلة المنفي عنه المعدوم بالنسبة إلى ذلك الأثر العظيم.

ودلَّ على ذلك التجوُّز في نفي الرمي عنه مطلقاً بنصِّه (٣) على نسبة الرَّمْيِ إليه - صلى الله عليه وسلم - في صريح الآية عقلاً وشرعاً من ثبوت عمى الأبصار، على نحو ما ذكرنا في تأويل الرمي أنه من كون مَضرَّة عَمَى الأبصار كَلاَ شيءٍ بالنسبة إلى مضرَّةِ عمى البصائر.

وأما أولُ آية الرمي. وهو قوله تعالى: {فَلَمْ تَقتُلُوهم ولكِنَّ الله قَتَلَهم} [الأنفال: ١٧] فيحتمل أنها على الحقيقة كذلك، لأن الإماتة فعلُ الله تعالى، وجميع المسببات عند أهل السنة فعل الله، وهي عند المعتزلة مختلفةٌ، بعضها فعل الله كالإحراق بالنار وصبغ الثياب بالألوان، وبعضها يخالفون فيه، وليس هذا موضع تفصيل (٤) هذا.

وقد تقدم في كلام الشهرستاني في الكسب إشارةٌ إلى ما يسمى فعلاً للعبد، ويدخله الأمر والنهي عرفاً، وهو مجمَعٌ على أنه من (٥) أثر قدرة الله عند أهل السنة والمعتزلة، وعدَّ منه إزهاق الأرواح، فما كان من هذا القبيل لم يحتج إلى تأويل نسبته إلى الله تعالى، بل ينعكس الأمر، ويجب تأويل نسبته إلى العباد، فنقول: معنى القتل المنسوب إلى العباد أسباب القتل، وفي بعضها نفيٌ، بل كلها نفي للقتل عنهم، وإثباته لله تعالى.


(١) في (ش): قصة، وهو خطأ.
(٢) في (ش): بها أمر.
(٣) في (أ) و (ف): بنصه، هكذا رسمت، ويمكن قراءتها هكذا: بتبقيه أو لعلها محرفة عن كلمة " بنصّه ".
(٤) " تفصيل " لم ترد في (ش).
(٥) " من " لم ترد في (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>