للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما آيةُ النفي فتعارض فيها النفي والإثبات، فاستحقَّتِ التأويل، ولو لم نتأولها وجرينا على ظاهر نفي الرمي عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لم يكن ظاهرها يجري على مذهب أحدٍ من فرق أهل السنة الأربع، فإنهم يجمعون على نسبة أفعال العباد وإن كانت مخلوقةً، ويكون ظاهرها محتاجاً إلى التأويل بالإجماع.

ولذلك احتج بظاهرها ابن عربي الطائي في " فصوصه " (١) على الاتحاد، وظن أن ظاهرها كلها (٢) تساعده على ذلك، وليس كذلك، فإنه إن ساعده ظاهرُ شطرها، نافره ظاهرُ الشطر الثاني، وكفى بذلك تعارُضاً يوجب ترك الظاهر والعدول إلى سائر الآيات المُحكَمَات الدالة على إثبات أفعال العباد، ونفي ما توهَّمَهُ من الاتحاد، وبطلانُ جميع ذلك أوضح من أن يعين الاحتجاج عليه دليل، فإنه معلوم (٣) من ضرورة الدين والعقل، والمُعَوَّل عليه في مثل هذه المعلومات هو القرائن الضرورية القاضية بالعلم، والعقول المفطورة على الفهم، التي لولا هي، لم يصح الخطاب، ويُخصَّ (٤) به ذوو الألباب في نصوص الكتاب.

ولآية الرمي سببٌ نزلت عليه، فَلْتَتِمَّ الفائدةُ في الإشارة إليه، قال الواحدي في " أسباب النزول " (٥): أكثر أهل التفسير أن الآية نزلت في رمي النبي - صلى الله عليه وسلم - القبضة من حصى (٦) الوادي يوم بدرٍ حين قال للمشركين: " شاهت الوجوه " ورماهم بتلك القبضة، فلم تَبْقَ عينُ مشرك إلاَّ دخلها منه شيء.

قال حكيم بن حزام: لمَّا كان يوم بدر سمعنا صوتاً وقع من السماء إلى الأرض كأنه صوت حَصَاةٍ وَقَعَتْ في طَشْتٍ، ورمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الحصيات، فانهزمنا، فذلك قوله تعالى: {ومَا رَمَيْتَ إذ رميتَ ولكنَّ الله رَمى} [الأنفال: ١٧].


(١) ص ١٨٥.
(٢) " كلها " ليست في (ش).
(٣) " معلوم " سقطت من (ش).
(٤) في (ش): يختص.
(٥) ص ١٥٦ - ١٥٧.
(٦) في " أسباب النزول ": حصباء.

<<  <  ج: ص:  >  >>