للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في حديث رفاعة الصحيح، وذلك لوجوهٍ:

الوجه الأول: أن الله تعالى ساق الآية للاحتجاج على بطلان عبادة الأصنام، وليس في كون أعمال العباد مخلوقةً حجةٌ على بطلان عبادة الأصنام، وفي كون الأصنام مخلوقةً لله تعالى أوضح برهانٍ على بطلان عبادتها لوجهين:

أحدهما: أن الله تعالى نصَّ على هذا المعنى في غير آيةٍ، والقرآن يُفسر بعضه بعضاً، وذلك في قوله تعالى في سورة الفرقان: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الفرقان: ٣]، وقال في سورة النحل: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ (١) مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [النحل: ٢٠].

وثانيهما: أن المشركين حينئذ يُنَبِّهون على أنهم مثلها في كونهم مخلوقين، وليس ينبغي أن يكون العبد والرب من جنسٍ واحد، لا سيما والعابد منهما هنا (٢) أشرف من المعبود بالضرورة من جهتين:

الجهة الأولى: أنه حيٌّ ومعبودُهُ جمادٌ.

والجهة الثانية: أنه الذي صوَّره المعبود، وعلى الهيئة التي كانوا يستحسنون معها العبادة، فإنهم لم يكونوا يستحسنون عبادة الحجر المطموس الذي لا شَكْلَ له، حتى يكونوا هم الذين يُشَكِّلُونه ويضاهون بصورته خلق الله تعالى، وهو من هذه الجهة يسمى معمولاً لهم ومفعولاً، كما يقال في السيف: إنه عَمَلٌ، ونحوه، وكذلك سائر الحُلِيِّ التي هي من تصرُّف الصُّنَّاع في خلق الله، وهذه التسمية حقيقةٌ عُرفِيَّةٌ، وكذلك سائر المسببات كالمِدَاد وسائر الأصباغ.


(١) هكذا قرأ جمهور القراء بالتاء المثناة من فوق، وحجتهم ما تقدم قبل الآية وما تأخر: فما تقدم {وإن تَعُدُّوا نعمةَ الله}، وما تأخّر {إلهُكم إلهٌ واحد}، وقرأ عاصم: {والذين يَدعُون مِن دون الله} بالياء، إخباراً عن المشركين. انظر " حجة القراءات " ص ٣٨٧، و" زاد المسير " ٤/ ٤٣٧.
(٢) " منهما هنا " لم ترد في (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>