للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه معصيةٌ أخرى تضمنها تصويرهم للحجارة، وهي من أدل دليلٍ على (١) عِظَمِ الجهالة، إذ مجرد تشكيل الصورة من غير حياةٍ غير مميِّزٍ للجماد بمَزِيَّةٍ يشرف بسببها على غير المصوِّر فجمعوا من جهالاتهم (٢) في ذلك ظُلُماتٍ بعضها فوق بعض. وهذا الوجه قوي جداً، لأن مقدماته معلومةٌ ضرورية (٣)، فإنا نعلم بالضرورة أن الآية مسُوقَةٌ لإقامة الحجة على بطلان ربوبية الأصنام، ونعلم ضرورةً أن الحجة بما ذكرناه أقوم وألزم، وأنها على تقدير أن المراد خلق أعمال العباد خَفِيَّةُ المعنى، والله سبحانه أعلم.

الوجه الثاني: أن قرينة الحال وصنعة البيان تقتضي أن قوله تعالى: {وَمَا تَعْمَلُونَ} في آخر الآية موافقٌ (٤) لقوله: {ما تَنْحِتُونَ} في صدرها، لأنه صَدَّرَ الآية الكريمة بإنكار عبادة المنحوت في حال خلق الله له، لكن سمَّاه معمولاً، تجنُّباً للتكرار، فإن الواو حاليَّةٌ في قوله: {والله خَلَقَكُم} والحال هذه العجيبة (٥) القاضية تَبْرَأُ منكم في الجهل إلى هذه الغاية البعيدة. وأنت إذا نظرت في طِبَاقِ الكلام وسياقه لم يحسن أن يكون المعمول غير المنحوت، ووجب أن يكون هو إيَّاهُ.

أما إن الأول لا يحسن (٦)، فلأنَّ الجملة الحالية تقتضي في مثل هذا الموضع زيادة شدة النكارة معها، كما تقول: أتسُبُّ فلاناً وهو أخوك؟! أتَجْفُوهُ وهو أبوك؟! ولو كان المعمول غير المنحوت لم يكن الشرك معه أقبح، ألا ترى أن الشرك على تقدير خلق الأعمال ليس بأقبح من الشرك مع خلاف ذلك.

وأما إنه يجب أن يكون المنحوتُ هو المعمول، فلما في ذلك من زياده قُبْحِ الشرك، لأنه لا يَخْفَى على عاقلٍ أن أقبح الشرك أن يجعل لله شريكاً وهو خلقه وملكه.


(١) " على " سقطت من (ش).
(٢) في (ش): جهالات.
(٣) في (ش): ضرورة.
(٤) في (أ) و (ش) و (ف): موافقاً، وهو خطأ.
(٥) في (أ): العجبية، وهو خطأ.
(٦) " لا يحسن " سقطت من (أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>