للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدلَّ على أن قوله تعالى: {وَما تَعْمَلُونَ} كِنايةٌ عن قوله: {ما تَنْحِتُونَ} خالف بين لفظهما من اتحاد معناهما، لِمَا في ذلك من حُسْنِ السَّبْك وعدم التَّكرار، على ما يعلمه أهل اللسان من أئمة البديع والبيان.

الوجه الثالث: حديث رفاعة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، على ذلك كما سيأتي الآن.

الوجه الرابع: النصُّ على أن أعمالهم مخلوقةٌ لله تعالى يُنافي توبيخهم والاستنكار الشديد لصدوره عنهم.

ولذلك قضى جمهور أهل السنة في الخلق الذي تَمَدَّح الرب سبحانه بالتفرد به أنه خلق الأعيان وإنشاؤها (١) من العدم وتشكيل (٢) الصوره التي ورد الوعيد لمن ضاهاه من العبيد.

فكيف إذا ورد ذكر الخلق في مثل هذه الصورة احتمل (٣) مثل هذه الاحتمالات؟ أليس توجيهه إلى خلق الأعيان المُنْشَأة من العدم أسبق إلى الأذهان، وأقوم في البرهان، وأجْدر أن يفسر به القرآن، وأولى بنص المعاني والبيان!

ويؤيِّدُ (٤) مذهب هذه الطائفة من أهل السنة قول إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم - فيما حكى الله سبحانه عنه في غير هذه الآية في سورة العنكبوت: {إنَّمَا تَعبُدُونَ مِنْ دُونِ الله أوْثاناً وتَخْلُقُون إفْكاً} [العنكبوت: ١٧] فنسب إليهم الخلق الذي بمعنى الكذب، وذمَّهم به لما كان من أفعالهم الاختيارية المحرمة عليهم، وإن كانوا مع ذلك تحت مشيئة الله وعلمه وقضائه وقَدَرِهِ.

ولا شك أن لأفعال العباد عند جميع فِرَق أهل السنة جهتين مختلفتين: جهة يدخلها الحسن والقبح، ومنها تُنْسَبُ الأفعال إلى العباد.


(١) في (أ) و (ش): وأنشاها.
(٢) في (أ): أو تشكيل.
(٣) في (ش): هذه الآية إلاَّ احتمل.
(٤) في (ش): ويؤكد.

<<  <  ج: ص:  >  >>