للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجهة لا يدخلها القبح ويدخلها الحسن وحده دون القبح، ومنها تُنسَبُ كل الكائنات إلى الله تعالى، ولكن المجادل لا يحسن منه أن يُلَقِّنَ خَصْمَه شُبهةً وإن كانت باطلةً.

ولا شك أن نسبة الأفعال إلى الله تعالى من شُبَهِ الكفار، ولذلك احتجوا بأقلِّ (١) شبهةٍ منها فيما حكى الله عنهم، وقالوا: {لَو شَاءَ الله ما أشْرَكْنا} [الأنعام: ١٤٨] وقد مَرَّ الجواب عليهم مُستوفىً ولله الحمد والمنة في آخر مسألة المشيئة.

فلم يكن الخليل عليه السلام لِيُلَقِّنَهم أعظم من هذه الشبهة التي قد (٢) لَهِجُوا بها ودَقَّتْ (٣) على خلائق من علماء المِلَّة (٤) الإسلامية كيف إلاَّ عبَّاد الحجارة الذين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غِشَاوةً مع ما أُوتِيَ الخليل عليه السلام من وضوح الحجة، وحُسْنِ العبارة حتى في الدعاء إلى الله تعالى، وحسن الثناء عليه.

ومن ألطف ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: {وإذا مَرِضْتُ فَهُو يَشْفِينِ} [الشعراء: ٨٠] أضاف المرض إلى نفسه والشفاء إلى الله، وإن كانا معاً فِعْلَ الله بإجماع المسلمين، لأن سبب المرض قد يكون منه إما بتناول ما يضُرُّه، وإما بذَنْبٍ يرتَكِبُهُ، والشفاء لا يُضَافُ إلاَّ إلى الله تعالى، وإن كان العبد سببه، لأنه على كلِّ تقديرٍ من نِعَمِ الله تعالى التي يجب شكرها، وأقل الشكر الاعتراف بها.

فمن عرف مثل هذه المباحث، وتمكن من معرفة الراجح، وإلا فلا يَفُتْهُ العمل على قوله تعالى: {ولا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦].

على أن الحاكم قد روى حديثاً يصلح إيراده في تفسير هذه الآية الكريمة،


(١) في (ش): لأقل.
(٢) " قد " لم ترد في (ش).
(٣) في (ش): ودق.
(٤) لفظة " الملّة " سقطت من (أ) و (ف).

<<  <  ج: ص:  >  >>