للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما ما رواه الطبراني (١) عن ابن عباسٍ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " أنه قال: قال الله عز وجل: أنا خلقت الخير والشر، وطوبى لمن قَدَّرْتُ على يديه الخير، وويلٌ لمن قدَّرْتُ على يده الشر " فلا حجة فيه لوجهين:

أحدهما: أن فيه مالك بن يحيى النُّكري، وهو ضعيف، وتكلم فيه ابن حبان (٢)، وقال البخاري: في حديثه نظر (٣)، ولم أعلم أن أحداً وَثَّقَه.

وثانيهما: أن الخير والشر المنصوص في الحديث إنهما مخلوقان ليسا عبارةً عن الأعمال بدليل قوله: " فطُوبى لمن قَدَّرْتُ على يده الخير ". فالتقدير على اليد هو العمل، وعلى تقدير أن الخير والشر هما العمل نفسه، فإن لفظة " الخلق " مشتركة، وأحد معانيها: التقدير، وأحد معانيها: إيجاد العين، ولا يجوز القطع على أن المراد أحدُ المعنيين إلاَّ بدليل، ولا الظن إلاَّ بقرينةٍ، والقرينة هنا تدل على أنه بمعنى التقدير لا بمعنى الإيجاد، وتلك القرينة هي قوله: فطوبى لمن قَدَّرتُ " فإن هذا أمرٌ نِيطَ بقوله: " خَلَقْتُ " وهو كالترجمة عنه، وذلك مُدرَكٌ بالذوق عند أهل اللسان، ومنتهى ما فيه أنه محتَمَلٌ، فلا يصح القطع بأنه غير مرادٍ.

ومما يصلح أن يحتج به الفرقتان الأوَّلتان من أهل السنة قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: ٣٠].


(١) أورده السيوطي عنه في " الجامع الكبير " (١٢٧٩٧). وقال الهيثمي في " المجمع " ٨/ ١٩٢ بعد أن نسبه للطبراني: وفيه مالك بن يحيى النكري وهو ضعيف.
(٢) في " المجروحين " ٣/ ٣٧، قال: منكر الحديث جداً، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد عن الثقات بالمفاريد التي لا أصول لها.
(٣) نقله عنه العقيلي في " الضعفاء " ٤/ ١٧٤، وابن عدي في " الكامل " ٦/ ٢٣٧٩، ولم أره في " التاريخ الكبير " ولا في " الصغير " وكلاهما للبخاري، والمؤلف نقل كلام البخاري وابن حبان فيه من " الميزان " للذهبي ٣/ ٤٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>