للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكتابة، وليس فيه حجةٌ على خلق الأفعال، إذ ليس كلُّ فعلٍ يسمى صنعةً، فإن الصنعة اسمٌ لُغَوي تختصُّ بما يحتاج إلى علاجٍ ويُفهَمُ، بحيث يختص به بعض العقلاء في الحقيقتين اللغوية والعُرفية، وهي مقدَّمةٌ على اللغوية، ومنتهى الأمر أن هذا محتملٌ، والقطع ببطلانه في الظنِّيَّات حرامٌ إلاَّ بدليلٍ، كيف في القطعيات؟!

الحديث الثاني: عن عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " إن الله تعالى حين يريد أن يَخْلُقَ الخلق يبعث ملكاً فيدخُلُ الرحم، فيقول: يا رب ماذا؟ فيقول: غُلامٌ أو جاريةٌ، فيقول: يا رب، شقيٌّ أم سعيدٌ؟ فيقول: شقيٌّ أو سعيدٌ، فيقول: يا رب، ما أجله ما خلائقه؟ فيقول: كذا وكذا، فما من شيءٍ إلاَّ وهو يُخْلَقُ معه في الرحم " (١).

قال الهيثمي (٢): رواه البزار ورجاله ثقات.

قلت: فيه الاشتراك في لفظة الخلق، فقد تكون بمعنى التقدير ومعناه هنا (٣) صحيحٌ ولا نزاع فيه، وقد تكون بمعنى الإيجاد ولا يَصِحُّ هذا المعنى، لأن العمل غير موجودٍ في الرحم، ولأن سياق الحديث يدلُّ على ذلك من أوله، وانما ذكر الخلق في آخره ليُتَرجِمَ عما تقدم في أوله من الأمور التفصيلية، فكأنه قال: ما مِنْ شيءٍ من الذُّكورة (٤) والأُنُوثة، والرزق والأجل، والسعادة والشقاوة، إلا يُخلَقُ في الرحم.

فهذان الحديثان أقوى ما عرفت في ذلك، ولم يذكروا منهما إلاَّ حديث حُذيفة، ولعلهم إنما تركوا حديث عائشة لظهور الأمر (٥) فيه، وأن الخلق فيه بمعنى التقدير.


(١) أخرجه البزار (٢١٥١)، ونسبه الحافظ المزي في " تهذيب الكمال " ٥/ ١١٠ إلى أبي داود في " القدر ".
(٢) في " المجمع " ٧/ ١٩٣.
(٣) في (ش): هذا.
(٤) في (أ): الذكور.
(٥) في (ش): الأثر.

<<  <  ج: ص:  >  >>