للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأجل هذا الإشكال والدِّقة رأى المشيخةُ من أهل السنة وجِلَّة العلماء الوقف عن الكلام في ذلك، وترك الخوض فيه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا ذُكِرَ القضاء فأمْسِكُوا " (١).

فكان هذا المذهب أحسن (٢) المذاهب لمن أراد الخلاص والسلامة، لكن عند الضرورات تُباح المحظورات. انتهى بحروفه.

ومن ذلك قول البيضاوي في كتابه " طوالع (٣) الأنوار " وقد ذَكَرَ احتجاج المعتزلة بالآيات الدالة على أن أفعال الله عزَّ وجلَّ لا تتصف بصفات أفعال العباد من الظلم ونحوه، قال ما لفظه: أجيب بأن كونه ظلماً اعتبار تعرُّض بعض الأفعال بالنسبة إلينا لقُصُور ملكنا واستحقاقنا، وذلك لا يمنع صدور أصل الفعل عن البارىء تعالى مجرداً عن هذا الاعتبار.

واعلم أن أصحابنا لما وجدوا تَفْرِقَةً بديهيةً بين ما يزاوله وبين ما يُحِسُّه من الجمادات ورادَّهم قائم البرهان عن إضافة الفعل إلى العبد قطعاً، جمعوا بينهما وقالوا: الأفعال واقعةٌ بقدرة الله تعالى وكسب العبد، على معنى أن العبد إذا صمَّم العزم فالله يخلق الفعل، وهو أيضاً مُشْكِلٌ، ولصعوبة هذا المقام أنكر السلف على المناظرين (٤) فيه. انتهى بحروفه.

ومن ذلك قول ابن الحاجب في كتابه " مختصر منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل " وهو كتاب مُتداوَلٌ في أيدي الزيدية في هذه الأعصار، فأحببتُ أن أستكثر النقل منه، ليتَوَضَّحَ لهم غَلَطُهم على أهل السنة في النقل، وقد ذكر ما يدل على ذلك في مواضع:

منها: نَقْضُه في مسألة التحصين والتقبيح استدلال بعض الجبرية على


(١) تقدم تخريجه في الجزء السادس.
(٢) في (ش): آخر.
(٣) " طوالع " لم ترد في (أ).
(٤) في (ش): الناظرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>