للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأبد، تعالى عن ذلك عُلُوَّاً كبيراً، وقول هؤلاء شرٌّ من قول أشباه المجوس والطائفتان (١) ما قدروا الله حق قدره.

وكذلك لم يقدُرُه حق قدره من قال: إنه يجوز أن يُعذِّب أولياءه، ويُنَعِّمَ أعداءه عقلاً، وإنما الخبر (٢) المحض جاء عنه بخلاف ذلك، فمنعناه للخبر لا لمخالفة حكمته وعدله، وقد أنكر سبحانه على من جوَّز عليه ذلك غاية الإنكار، وجعل الحكم به من أسوإِ الأحكام.

وقال في هذا الكتاب وقد ذكر أنواع المغرورين نحواً من ذلك وأخصر (٣).

وقال في كتابه " حادي الأرواح " (٤) وقد ذكر الحديث الصحيح الذي فيه " الخير بيديك والشر ليس إليك " ما لفظه: ولم (٥) يقف على المعنى المقصود من قال: الشر لا يُتَقَرَّبُ به إليك، بل الشر لا يضاف إليه سبحانه بوجهٍ من الوجوه، لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ولا في أسمائه، فإن ذاته لها الكمالُ المطلق من جميع الوجوه، وصفاته كلها صفات [كمال] يُحمَدُ عليها ويثنى [عليه] بها، وأفعاله كلها خيرٌ ورحمة وعدلٌ وحكمة لا شر فيها بوجهٍ ما، وأسماؤه كلُّها حسنى، فكيف يضاف إليه الشر، بل الشر في مفعولاته ومخلوقاته وهو منفصل عنه إذ فعله غير مفعوله، ففعله خيرٌ كله، وأما المفعول المخلوق ففيه الخير والشر، وإذا كان الشر مخلوقاً منفصلاً، فهو لا يضاف إليه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل: وأنت لا تخلق الشر، حتى يُطلَبَ تأويل قوله، وإنما نفى إضافته إليه وصفاً وفعلاً واسماً. انتهى.

وقد فسَّره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديث الآخر الذي خرجه مسلم في " الصحيح " من حديث أبي ذر رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأثر الشريف الإلهيِّ الذي فيه: "يا عبادي، إنما هي أعمالُكُم أُحْصِيها عليكم، فمن وجد خيراً،


(١) في (أ): والطائفتين، وهو خطأ.
(٢) في (أ): الجبر، وهو تصحيف.
(٣) انظر ص ٢١ وما بعدها من " الجواب الكافي ".
(٤) ص ٢٦٤ - ٢٦٥.
(٥) في (ش): ولا، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>