للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك، وكن منه على عظيم الحذر.

واقتضى تفرده بكمال الحمد والعدل والثناء والتسبيح والتقديس أوْفَرَ نصيبٍ لأفعاله الشريفة الحميدة العادلة السديدة من التنزيه والتعديل، والحكمة والترجيح، والتسبيح والتقديس، ولو على جهة الإيمان الجملي بالتأويل الذي لا يعلمه إلاَّ الله، وذلك لكمال الحجة لله تعالى على خلقه بالتمكين والإقدار والاختيار، وخلق العقول والأسماع والأبصار، كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [المؤمنون: ٧٨] في آيات كثيرة زاد سبحانه على ذلك القدر، فقطع كثيراً مما لا يجب في عرف العقلاء قطعه من أعذار الجاهلين، حتى لم يَقْضِ يوم القيامة بعلمه الحق، مع حُسْنِ ذلك لو فعله، حتى أضاف إليه ما يعتاده أهل العدل وأهل العقول من الخلق من إحضار الكتب والموازين والشهود العدول، حتى أشهد الأيدي والجلود حين يَعْرِضُ المنافقون للقدح في ملائكته الشهود (١) الكرام، كما ثبت في الحديث الصحيح.

وفي نحو ذلك لقول الله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: ١٦٥]، فلم تمنعه عِزَّتُه القاهرة من لطيف الحكمة كما هو عادة الجبابرة، بل جمع كمال اللُّطف في العدل إلى كمال العز في الملك، وكان بذلك حميداً مجيداً: حميد النعوت والأسماء والأفعال، مجيد الملك والجلال والكمال، ولذلك قال: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥].

وثبت في " الصحيحين " عن أعلم الخلق به محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " لا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل وأنزل الكتب " (٢).

وثبت في " صحيح مسلم " في الحديث الجليل الرَّبَّاني، الذي عَظَّمَهُ علماء


(١) " الشهود " لم ترد في (ش).
(٢) تقدم تخريجه في الجزء الخامس ص ٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>