للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعَطَفَها عليها في قوله: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا} [النساء: ١٦٠] فجعل إضافة الصدِّ عن سبيل الله إليهم بصيغة الإضافة كإضافة الظلم إليهم بحرف " مِنْ "، وساوى بينهما في ذَمِّهم بهما، فوجب امتناعهما معاً في حَقِّهِ سبحانه.

النوع الخامس: قال الله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٦٨].

وقال: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [النساء: ١٢٠].

وهذا نصٌّ على الفرق بين الوعدين، فإن وعد الله موصوفٌ بالصدق، واجب الرُّكون إليه والإيمان به، وَوَعْدُ الشيطان على العكس من ذلك كله.

وعلى قول الخصم: إنهما معاً من الله، فأيُّ مُسلمٍ يرضى لنفسه أن يقول: إن وعد الشيطان وعدٌ من الله كاذِبٌ؟ وأيُّ عارفٍ بلُغَة العرب لا يقطع على فساد هذه العبارة إن كانت ترجمةً عن (١) اعتقاد أهل السنة والسلف الصالح، أو على خُسْران قائلها إن كان مُترجِماً عن مذهب الجبرية مختاراً له.

النوع السادس: أنه يلزمه أن يقول: إن الأمر بالفحشاء من الله، لأن الله قد أخبر أن الشيطان يأمُرُ بالفحشاء، وحكى أنه قال: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: ١١٩]، وقد التزم الخصم أن كل (٢) ما كان من الشيطان وغيره، فهو من الله.

قلنا له: صادمت قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف: ٢٨]. وإنْ قال: إنه من الله أمْرٌ، وهو لا يأمُرُ به، ناقض وقال ما لا يَعرِفُ.

وكذلك إن قال: هو من الله، وليس هُو منه أمرٌ، فإن اعترف أن الأمر بالفحشاء من الشيطان كما دَلَّ عليه كتاب الله، فكذلك الكفرُ بالله وسائر القبائح.


(١) " عن " لم ترد في (أ).
(٢) " كل " لم ترد في (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>