بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال: ٥٣] فكيف يحسُنُ أن يكون المعنى: حتى يُغَيِّرَ الله ما بأنفسهم، وكيف يصح أن لا يُغيِّرَ حتى يُغَيِّرَ، وكيف يُجعَلُ هذا هو معنى كلام الله على الحقيقة، فإلى هذا يَؤُولُ النَّظَرُ الصحيح.
النوع السادس عشر: أن الله وهو أصدق القائلين بأنه الغفور الغفار واسع المغفرة، فإما أن يكون الذنب من غيره والمغفرة منه، فذلك المعقول، أو يكون الذنب والمغفرة منه، فذلك المعقول، أو يكون الذنب والمغفرة منه معاً، فيكون غافراً لنفسه، وهذا شيءٌ لم يُعقَلِ التمدح به قط.
النوع السابع عشر: قول يونس عليه السلام: {سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء: ٨٧]، وما أعظم أدبه وألطفه عليه السلام حيث قَدَّمَ التسبيح قبل أن يُجْرِيَ ذِكرَ ظُلمه لنفسه، ناسِباً للظلم إلى نفسه دون رَبِّه، فما نَزَّهَ ربه إلاَّ في ذكر الظلم في خطابه لربه غير منسوب إلى ربه، كما نقول للملك العادل: إن الظلم -حاشاك من ذِكرِهِ- شِعارُ غيرك.
ومن أدبه عليه السلام تقديم التسبيح على ذِكْرِ الظُّلم المنفيَّ عن الله، كأنه استقتح أن يتقدم ذكر الظلم في خطاب الله تعالى حتى يتقدمه تنزيه الله وتقديسه من مجرد مرور ذلك على لسانه في خِطَابِ الملك القدوس السُّبُوح، ربِّ الملائكة والروح.
فكيف ترى مع ذلك تَحْسُنُ إضافة الظلم إلى الله بحرف " مِن " الدالة على الاختصاص، ولدلالتها على الاختصاص قال الله تعالى:{قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أنفُسِكُم}[آل عمران: ١٦٥]، فهذا في العقوبات لِلعُصاةِ التي خلقها وحده