للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون ذاته ضاراً ولا فعله -كما ذكره ابن قيم الجوزية، ويأتي كلامه الآن- مُصَادِمٌ للحديث الصحيح عن علي عليه السلام، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في التوجه في الصلاة: " الخير بيديك، والشر ليس إليك ". رواه مسلم، وإسناده على شرط الجماعة، لأنه من حديث عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن عُبيد الله بن أبي رافع عنه به (١).

وروى الحاكم (٢) في تفسير سورة بني إسرائيل نحو ذلك من حديث حُذيفة بن اليمان، وقال: على شرط الشيخين، وذكر أنه - صلى الله عليه وسلم - أدخل ذلك في الثناء على الله تعالى في المقام المَحْمُود الذي فتح الله عليه فيه أحبَّ الثناء إليه، فما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يختص التوجه إلى الله في الصلاة، والتوسُّل إليه في ذلك المقام المحمود، إلاَّ بأحب المحامد إليه، وأكرَمِها عنده، وأعزِّها عليه، فكيف يكون نقيضها في الأسماء الحسنى؟ فتأمل ذلك.

وقد تقدم (٣) قول النواوي في " الأذكار " و" شرح مسلم ": إن معنا. ليس بشرٍّ بالنظر إلى حكمتك فيه.

وقد وقع لي مرةً أن من حِكَمِ الله التي لا تُحْصى في تقدير الشرور أن النِّعَمَ قسمان: جلبُ نفعٍ أو دَفْعُ ضررٍ، وأعظمهما (٤) موقعاً في قلوب البشر، وأقواهما أثراً في إيقاظ الغافلين عن الشكر: هو دفع الضر، حتى لا تجد النعمة محل موقعها إلاَّ إذا كان فيها خروجٌ من ألمٍ وشدةٍ كالشرب بعد شدة الظَّمإ، والأمانِ بعد شدة الخوف، والوِصال بعد طول المهاجرة، وبلوغ الرجاء بعد اليأس،


(١) مسلم (٧٧١)، وهو في " صحيح ابن حبان " (١٧٧١) و (١٧٧٢) و (١٧٧٣) و (١٧٧٤)، وانظر تخريجه فيه.
(٢) في " المستدرك " ٢/ ٣٦٣ - ٣٦٤، وفيه " فينادى محمد، فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، والشر ليس إليك " وهو موقوف على حذيفة. وقد تقدم تخريجه في الجزء السادس ص ٣١٩.
(٣) ص ١٨٥.
(٤) في (أ) و (ش): وأعظمها.

<<  <  ج: ص:  >  >>