للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصورة الثالثة: ما تقدم عن الفرقة الأُولى أنهم جزموا في مسألة الأفعالِ أن مقدورات العباد كلها غير مقدورة لهم وحدهم إلاَّ بإعانة الله تعالى، فهي بالنسبة إلى عدم إعانته غير مطاقة، وبالنسبة إلى إعانته مطاقة، على ما تقدم تحقيقه في مسألة مقدور بين قادرين، وأن شرط التكليف عندهم أنه يخلقها الله حين يختارونها حتى يمكنهم أن يفعلوها حين خلقها الله أن يؤثروا فيها مع الله تعالى أثراً ما تقوم به الحجة عليهم.

والتأثير في الوجوه والاعتبارات فرعٌ على خلق الذوات، ولكن لا (١) يلزم من ذهب إلى تكليف ما لا يطاق بهذا أن يكون التكليف كله تكليف ما لا يُطاق، كما ألزمه ابن الحاجب وغيره من احتج على نفي الاختيار. وقد قال ابن الحاجب: إن ذلك خلاف الإجماع، فإن أراد بالتكليف الطلب لتنجيز الوقوع، والفعل محال، فالإجماع على بطلان ذلك صحيحٌ، وإن أراد طلب التنجيز للمحال عند إمكانه واستجماع شرائطه، فالخلاف مشهور، وهو خلاف في العبارة مثل خلاف أبي القاسم البلخي في نفي المباح وأمثال ذلك.

الصورة الرابعة: وجوب الأرش على السكران في جناياته، وتنفيذ طلاقه، ونحو ذلك.

منهم من سمى ذلك تكليفاً لم يرد بالتكليف أن الله تعالى أراد منه أن يفهم حال سكره، فنسب إليهم تجويز تكليف من لم يفهم، وتجويز ما لا يطاق وإرادة ذلك.

فأما الإرادة فغلط واضح عليهم (٢) وخطأ فاحش، وأما ما سموه تكليفاً من غير إرادة، فغير معلوم القبح، ولا مستلزم للمحال، ولكن هي لجاجٌ في بِدَعٍ أدى إليها بعض القواعد الكلامية، كما أدى خصومهم المعتزلة إلى مثل ذلك في مسألة المشيئة وغيرها.


(١) " لا " سقطت من (ش) و (ف).
(٢) " عليهم " سقطت من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>