للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا تقرر هذا، فاعلم أن إطلاق القول بتكليف ما لا يطاق غَلَطٌ في العبارة لا يخرُجُ صاحبه من الإسلام، فليس كل ما ظهر فيه الرِّكَّة من البدع، فقد كفر صاحبه، نسأل الله العافية من كل بدعة، والخروج من كل شبهة.

وقد ذكرت غير مرة أن في كل فرقة طوائف شاذةً تقول بمنكراتٍ من البدع، فمن أضاف بدعهم إلى عموم الفرقة التي شَذُّوا منها، فقد أساء، وتَنَزَّل منزلة الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وفي " الصحيح ": " لا يؤمن أحدُكُم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه " (١)، والله تعالى يقول: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: ١٥].

وفي أهل السنة أيضاً من يَغْلَطُ، فَيَنْسِبُ إلى الزيدية مذاهب الإسماعيلية، والمطرفية، والحسنية (٢)، ونحو ذلك فالله المستعان.

والذي يُرجى لمن قال ذلك من أهل الإسلام أنه بالغ في التعظيم، فأساء العبارة، ومراده أن الله لو صدر عنه مثل ذلك، لوجب القطع بأن له فيه حكمةً تخرجه عن الظلم والعبث، لا أن ذلك جائزٌ، لكن على نحو قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزخرف: ٨١] على قول.

ونحو ما تقدم في الحديث الثاني والسبعين في أحاديث الأقدار: " لو أن الله عذب أهل السماوات والأرض عذبهم وهو غيرُ ظالمٍ لهم " (٣).

وقوله: {إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [المائدة: ١٧].


(١) رواه من حديث أنس أحمد ٣/ ١٧٦ و٢٧٢، والبخاري (١٣)، ومسلم (٤٥)، وابن ماجه (٦٦)، والترمذي (٢٥١٥)، والدارمي ٢/ ٣٠٧، وابن حبان (٢٣٤) و (٢٣٥)، وانظر تمام تخريجه فيه.
(٢) في (ف): الحسينية.
(٣) انظر ٦/ ٤٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>