للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عمر بن عبد البَرِّ: وقولهم: هم من آبائهم، فمعناه: حكمُ آبائهم لا دية فيهم ولا كفارة، ولا إثم لمن لم يقصد قتلهم، وأما أحكامهم في الآخرة، فليس من هذا الباب في شيءٍ، وقد تقدم القول فيهم. انتهى.

وهذا إشارةٌ إلى أقوالهم فيها، ولهم فيها أقوالٌ:

القول الأول: أنهم في الجَنَّةِ.

قال النواوي في شرح " مسلم " (١): إن هذا قول المحقِّقين منهم. هكذا وصف القائلين منهم بهذا بالتحقيق، واختاره لنفسه واحتجَّ عليه، وكذلك إمام الشافعية في عصره العلامة علي بن عبد الكافي الشهير بالسبكي، اختار ذلك، واحتج عليه.

فمما احتج به النواوي على ذلك بقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥].

واحتج أيضاً بما رواه البخاري في " صحيحه " (٢) عن سَمُرَةَ في حديثٍ طويل، وفيه ذكر رؤيا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيها ما لفظه: " والشيخ في أصل الشجرة، والصِّبيان حوله أولاد الناس ". قالوا: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ قال: " وأولاد المشركين ". انتهى.

والمرادُ بالشيخ: إبراهيم عليه السلام، والشجرة: شجرةٌ في الجنة، وسؤالهم هذا وجوابه عليهم كان في اليَقَظَة، ولو لم يكن في اليقظة، لكانت الرؤيا وحدها حُجَّةً صحيحةً، لما في سِياقها من الدِّلالة، لأنها رؤيا حقٍّ، ولأن رؤيا الأنبياء صلواتُ الله عليهم حقٌّ، وخصوصاً نبينا - صلى الله عليه وسلم -، لأنه قد صحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " تنامُ عيناي ولا ينامُ قلبي " (٣).


(١) ١٦/ ٢٠٨.
(٢) (٧٠٤٧)، ورواه أيضاً النسائي في " الكبرى " كما في " التحفة " ٤/ ٨٢.
(٣) تقدم تخريجه ١/ ١٧٥ - ١٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>