للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان من عادة العرب الوصية بذلك، ومنه قول طرفة بن العبد:

إذا مِتُّ فانعيني (١) بما أنا أهلُه ... وشُقِّي عليَّ الجَيْبَ يا ابنة مَعْبَدِ (٢)

فخرج الحديث مطلقاً حملاً على ما كان معتاداً لهم.

وقالت طائفةٌ: هو محمولٌ على من أوصى بذلك، أو لم يوص بتركه، فإنه يعذب بتفريطه في إهماله الوصية بتركه، وحاصل هذا إيجاب الوصية بتركه ذلك.

وقالت طائفة: معنى ذلك أنهم كانوا ينوحون بتعديد محاسن الميت في زعمهم، وهي قبائح في الشرع، نحو قولهم: يا مُرَمِّل النسوان، ومُوتّم الولدان، ومُخرِّب العمران، مما يرونه شجاعةً وفخراً، فيعذب بذلك القبيح (٣).

وقالت طائفة: إنه يعذب بسماعه لبكاء أهله، لأنه يرق لهم. وإلى هذا ذهب محمد بن جرير وغيره (٤).


(١) في (أ) و (ش): فابكيني، والتصويب من شرح مسلم.
(٢) تحرف في (ش) إلى: " يا أم معبد "، والبيت من جاهليته السائرة التي مطلعها:
لخولة أطلالٌ بِبُرْقَة ثَهْمَدِ ... تلوحُ كباقي الوشم في ظاهر اليد
قال التبريزي في " شرح القصائد العشر " ص ١٢١: انعيني، أي: اذكري من أفعالي ما أنا أهله، يقال: فلان ينعى على فلان ذنوبه: إذا كان يعددها عليه ويأخذه بها. وقال الأعلم الشنتمري في " أشعار الشعراء الستة " ٢/ ٥٥: أوصى ابنة معبد أن تذيع خبر وفاته، وأن تثني عليه، وأن تشق جيبها، وابنة معبد: قيل: هي زوجه، وقيل: بنت أخيه.
(٣) قال الإسماعيلي فيما نقله عنه الحافظ في " الفتح " ٣/ ١٥٥: ومن أحسن ما حضرني وجه لم أرهم ذكروه، وهو أنهم كانوا في الجاهلية يغيرون، ويَسْبُون، ويقتلون، وكان أحدهم إذا مات بكته باكيته بتلك الأفعال المحرمة، فمعنى الخبر أن الميت يعذب بذلك الذي يبكي عليه أهله به، لأن الميت يندب بأحسن أفعاله، وكانت محاسن أفعالهم ما ذكر، وهي زبادة ذنب في ذنوبه يستحق العذاب عليها.
(٤) ورجحه القاضي عياض ومن تبعه، ونصره ابن تيمية وجماعة من المتأخرين، واستشهدوا له بحديث قيلة بنت مخرمة الثقفية التي سيذكر المؤلف موضع الشاهد منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>