للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال القاضي عياض: وهو أولى الأقوال، واحتجوا بحديث فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زجر امرأة عن البكاء على أبيها، وقال: " إن أحدكم إذا بكى استعبر له صويحبه، فيا عباد الله، لا تعذبوا إخوانكم " (١).

وقال ابن الأثير في شرح قوله: " إن الميت لَيُعَذَّب ببكاء أهله عليه " في كتاب الموت من حرف الميم (٢) في شرح غريبه ما لفظه: قال الخطابي: يشبه أن يكون هذا من حيث إن العرب كانوا يوصون أهاليهم بالبكاء والنوح عليهم، وإشاعة النعي في الأحياء، وكان ذلك مشهوراً من مذاهبهم، وموجوداً في أشعارهم كثيراً. قال: تلزمه العقوبة في ذلك بما تقدم من أمره إليهم وقت حياته. انتهى بحروفه.

الوجد الثاني: أنت من قرَّره على ظاهره منهم، قطع أن له وجه حكمةٍ لا يعلم تأويله إلاَّ الله، كما هو مذهبهم في جميع المتشابه.

الوجه الثالث: ما قدمنا في المسألة الأولى من حكاية إجماعهم على أنه يجوز في البرزخ ما يجور في دار التكليف من الامتحان بالآلام، والأمور المشتبهة، وقد أجمعت الأمة على أن ذرية المشركين الذين لم يذنبوا يلحقهم الرِّق في الدنيا بسبب كفر آبائهم، ويتمشى تأويل هذا على كل مذهب، فإنه لم يخرج مخرج العقوبة لمن لا ذنب له بذنب غيره.

وكذلك تعذيب الميت ببكاء أهله (٣) ليس فيه تصريحٌ بأنه عقوبة له، ومنتهى ما فيه دخول الباء، فلا يدل على العقوبة، كاسترقاق الذرية بكفر (٤) آبائهم.


(١) قطعة من حديث مطول رواه الطبراني في " الكبير " ٢٥/ (١)، وابن أبي شيبة وابن أبي خيثمة، كما في " الفتح " ٣/ ١٥٥، وابن منده كما في " الإصابة " ٤/ ٣٨٠، وحسَّن إسناده الحافظ في " الفتح "، وقال ابن عبد البر في " الاستيعاب " ٤/ ٣٨١: وقد شرحه أهل العلم، وهو حديث حسن.
(٢) من " جامع الأصول " ١١/ ٩٣ - ٩٤ الطبعة الشامية.
(٣) " أهله " ساقطة من (أ).
(٤) في (ش): " بذنب ".

<<  <  ج: ص:  >  >>