للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا ثبت بالنصوص والإجماع أن الشرك عمل، فكيف لا يكون التوحيد عملاً؟! وكما أن من عذبه الله تعالى من المشركين، فقد عذبه بعمله، فكذلك من أثابه الله من الموحدين، فقد أثابه وأدخله الجنة بعمله.

فبطل ظن من قال: إن الرجاء يؤدي إلى أن الإيمان قولٌ بلا عمل، أو إلى أن الجنة تُدخل بغير عمل، وقد عظَّم الله القول الثابت بقوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: ٢٧].

واعلم أن أهل السنة لا ينكرون أن الجنة تُدخل بعملٍ كما ورد في القرآن، وإنما ينكرون ما ليس في القرآن من كونها تستحق على الله بالعمل استحقاق المبيعات بأثمانها، بحيث إنه لا فضل للبائع على المشتري.

فمرجع النزاع في أن الباء التي في قوله تعالى: {بما كنتم تعملون} [النحل: ٣٢] هل هي باء المعاوضة للشيء بمقدار ثمنه، مثل الثوب بالدرهم، أو هي باء السببية، كقولك: أكرمني الملك بسابق معرفةٍ، أو بكلمة طيبة سمعها مني، أو نحو ذلك؟

والقرآن إنما نص على العمل، لا على أن الباء فيه للثمن المساوي، ولو قال أهل السنة بعدم العمل، لجوزوا الجنة للمشركين، فاعرف هذه النكتة.

وقد ظهر أن الخلاف إنما هو في كيفية الجمع بين الآيات والأخبار، وظهر عند كل منصفٍ وعارفٍ قصور العمل عن الوفاء بنعم الله وشكره، وما يحق له، كما قال: {وما قدروا الله حق قدره} [الأنعام: ٩١].

ويلحق بهذا النوع جميع ما احتج الله تعالى به من البراهين على التوحيد، وأنزله من الكتب، وأرسله من الرسل، فإنه معلومٌ أن الحكمة فيها والداعي إليها هو إقامة الحجة البالغة، كما ورد في الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " لا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل، وأنزل الكتب " (١).


(١) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>