للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويُحلَّني دار المقامة من فضله بواسع طوله، وسابغ نوله (١) إنه هو الجواد الكريم، الرؤوف الرحيم. انتهى بحروفه.

وهو شاهدٌ على أن مذهب أهل السنة هو فطرة الله التي فطر الناس عليها، وأن الخصوم عند أن تَحِقَّ الحقائق يرجعون إليها، ولو رجع إلى تحقيق مذهبه، لكان مسألته للجنة عبثاً لا فائدة فيه، لأنه إن كان عاملاً بما كلَّفه، فهي له حقٌّ واجبٌ، لا يصح من الله الإخلال به، وإلا كانت المسألة لله أن يفعل قبيحاً ويُخلف وعده ويكذب فيه، تعالى الله عن ذلك عُلُوّاً كبيراً.

ومما يتعذر تأويله من صيغ التعليل مثل قوله تعالى: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل} الآية [المائدة: ٣٢].

ومن ذلك تأويل المتشابه، وعلى قولهم ليس له تأويل، وقصة الخَضِر وموسى مصادِمَةٌ لمذهبهم بالضرورة، ولا معنى لإنكار موسى، ثم لجواب الخَضِر إلاَّ اعتقادهما تغاير أحكام الأفعال بتغاير أسبابها عند الله تعالى، ألا تراهما لم يتنازعا في مشيئة الله تعالى وأمره، ولذا ما قال موسى: إن الله لم يشأ هذا ولا أمر به، ولا قال الخَضِر: إن هذا شاءه الله وأمر به، ولا كان الخضر أعلم من موسى بالنظر إلى مجرد أن ما شاء الله كان، وما شاء أن لا يكون لم يكن، فعامة المؤمنين يعرفون ذلك، إنما تفاضلا في معرفة حكمة الرب المتشابه (٢) التي نفتها هذه الطائفة.

الوجه الرابع: أن التوحيد عملٌ، بل هو أفضل العمل، كما ورد في الصحيح، وأجمعت عليه الأمة: من مات عقيب قوله: لا إله إلاَّ الله مخلصاً غير منافق (٣)، بل ذلك معلومٌ ضرورةً من الدين، يوضحه أنا قد أجمعنا علي أن النار لا تُدْخَلُ إلاَّ بعمل، وأن من أشرك بالله، فقد استحق النار بأقبح العمل وهو الشرك.


(١) في (أ) و (ش): " نيله "، والمثبت من " الكشاف ".
(٢) في (ش): " للمتشابه ".
(٣) انظر ٥/ ١٢٧ و١٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>