للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويدل على ذلك حديث الرجل الذي عبد الله خمس مئة سنة في جزيرة من البحر، وأراد أن يدخل الجنة بعمله، فحوسب، فما وفَّى عمله بنعمة البصر. خرَّجه الحاكم في " المستدرك " وصححه، وهو حديث مشهور (١).

ويشهد لمعناه ظاهر قوله تعالى في خليله إبراهيم: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِين} [العنكبوت: ٢٧].

وفي " الكشاف " (٢) في قوله تعالى: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: ٤٣]، وهذا يدلُّ على أن الجنة مستحقة بالعمل، لا بالتفضل كما يقوله المبطلة.

فكتب بعض أهل العلم (٣) في حاشيته ما لفظه: نعم يا شيخ المُحِقَّة.

قلت: الجنة بالعمل، فالعمل بماذا؟ قلت: بالاختيار فالاختيار بماذا؟ رأى الأمر يُفضي إلى غايةٍ، فصيّر آخره أوَّلاً، {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّه} [الأعراف: ٤٣]. انتهى.

وألحقه بعضهم: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} [النور: ٢١]، {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَان} [الحجرات: ١٧].

وقد دل القرآن على أن العمل نعمة، والجزاء عليه نعمة.

أما الأول، ففي قوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَة} [الحجرات: ٧ - ٨]، وقوله: {نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَر} [القمر: ٣٥].

وقد ختم الزمخشري " كشافه " (٤) بتضرع إلى الله طويل، قال في آخره:


(١) تقدم تخريجه ٥/ ٢٥٧، وهو حديث ضعيف.
(٢) ٢/ ٨٠.
(٣) في (ش): " أهل السنة ".
(٤) ٤/ ٣٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>