والمصنفون في أخبار قتل الحسين منهم من هو من أهل العلم كالبغوي وابنِ أبي الدنيا وغيرهما، ومع ذلك فيما يروونه آثارٌ منقطعة، وأمور باطلة. وأما ما يرويه المصنفون في المصرع بلا إسناد، فالكذب فيه كثير، والذي ثبت في الصحيح أن الحسين لما قُتِلَ حُمِلَ رأسه إلى قُدام عبيد الله بن زياد، وأنه نكت بالقضيب على ثناياه، وكان بالمجلس أنسُ بن مالك رضي الله عنه وأبو برزة الأسلمي. ففي صحيح البخاري عن محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسين فجعل في طست فجعل ينكت، وقال في حسنه شيئاً، فقال أنس: كان أشبههم برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان مخضوباً بالوسمة. وفيه أيضاً عن ابن أبي نُعْم، قال: سمعت ابن عمر، وسأله رجل عن المُحرم يقتل الذباب، فقال: يا أهل العراق تسألوني عن قتل الذباب، وقد قتلتم ابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " هما ريحانتي من الدنيا ". وقد رُوى بإسناد مجهول أن هذا كان قدام يزيد، وأن الرأس حُمِلَ إليه، وأنه هو الذي نكت على ثناياه. وهذا مع أنه لم يثبت، ففي الحديث ما يدل على أنه كذب، فإن الذين حضروا نكته بالقضيب من الصحابة لم يكونوا بالشام، وإنما كانوا بالعراق. والذي نقله غيرُ واحد أن يزيد لم يأمر بقتل الحسين، ولا كان له غرض في ذلك، بل كان يختار أن يكرمه ويعظمه، كما أمره بذلك معاوية رضي الله عنه. ولكن كان يختار أن يمتنع من الولاية والخروج عليه، فلما قدم الحسين، وعلم أن أهل العراق يخذلونه ويسلمونه، طلب أن يرجع إلى يزيد، أو يرجع إلى وطنه أو يذهب إلى الثغر، فمنعوه من ذلك حتى يستأسر، فقتلوه حتى قُتِلَ مظلوماً شهيداً رضي الله عنه، وأن خبر قتله لما بلغ يزيد وأهله ساءهم ذلك، وبكوا على قتله، وقال يزيد: لعن الله ابن مرجانة -يعني عبيد الله بن زياد-[أما] والله لو كان بينه وبين الحسين رحم لما قتله. وقال: قد كنت أرضى من طاعة أهل العراق بدون قتل الحسين. وأنه جهز أهله بأحسن الجهاز، وأرسلهم إلى المدينة، لكنه مع ذلك ما انتصر للحسين، ولا أمر بقتل قاتله، ولا أخذ بثأره.