للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الأول: بيان التفاوت العظيم بين المخالفين، فكم بين الرَّاضي بالفعل الذي لولاه ما أحبَّ الفاعل، وبين الكاره له الذي لو لم يكن له غيره، ما أحبَّ الفاعل، كما أنه فرقٌ عظيمٌ بين الزاني والمستغفر له، أو المجوِّز للشفاعة له، أو الصَّلاة عليه من أهل العلم والدين.

الوجه الثاني: تحسين الظن بالمسلمين من الطائفتين ما استطعت، وإذا كان لأحدٍ من الطائفتين محملٌ قبيحٌ، ومحملٌ أقبح منه، حملته على أقلِّهما قبحاً، إن لم أجد محتملاً حسناً، والله عند لسان كل قائل، وقلبه ونيته. فأمَّا من علمنا منه بُغض علي عليه السلام، فإنَّا نُبْغِضُه لله، وكيف لا نبغضُه وقد صح بغير نزاعٍ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا يبغضك إلاَّ منافق " (١).

ولكنه ينبغي التنبيه على أمرٍ لطيفٍ وهو أن المحبة مما تزيد وتنقص، وتقِلُّ وتكثر، كالإيمان على الصحيح، فقد صح في أحاديث الشفاعة الصحاح أن يكون لمن في قلبه أدنى من مثقال حبةٍ من خردلٍ من إيمانٍ، وإذا كان قليل الإيمان ليس بكفرٍ، فكذلك قليل المحبة ليس ببغضٍ، ومن المعلوم أن حب فاطمة عليها السلام لعلي بن أبي طالب أكثر من حب عائشة رضي الله عنها له، وكذلك حب الحَسَنَيْنِ له عليهم السلام أكثر من حبِّ ابن عمر له، وكذلك حبُّ المؤمنين (٢) لله ولرسوله في غاية التفاضل.

وصحت النصوص في فضائل الإيمان إلى أن عُدَّ فيه ما هو أدنى من مثقال حبةٍ من خردلٍ من إيمانٍ، ولم يُحكم للقبيل بالكفر في شيءٍ من ذلك.

ولم يعنِّف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عائشة حيث لم تُحِبَّ أمير المؤمنين كحبِّ أبيها، ولا كحب فاطمة له، ولا كَرهَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لذلك ولا طلقها، ولا يلزمُ من التفضيل عليه البغض له، فإنا نفضِّله على ولديه عليهما السلام، ولا نبغضهما،


(١) حديث صحيح، وقد تقدم تخريجه ١/ ٣٧٠.
(٢) في (ف): " أمير المؤمنين ".

<<  <  ج: ص:  >  >>