للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رضاه بذلك، ومهما لم يصح ذلك منه، فلا يجوز أن نظن به ذلك، فإن إساءة الظن أيضاً بالمسلم حرام (١)، وقد قال الله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: ١٢]. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله حرَّم من المسلم دمه وماله وعِرْضَه، وأن يُظَنَّ به ظن السوء " (٢).

ومن زعم أن يزيد أمر بقتل الحسين عليه السلام أو رضي به، فينبغي أن يعلم به غاية حمقه، فإن من قتل من الأكابر والوزراء (٣) والسلاطين في عصره لو أراد أن يعلم حقيقة من الذي أمر بقتله أو من الذي رضي به، ومن الذي كرهه، لم يقدر على ذلك، وإن كان قد قتل في جواره وزمانه، وهو يُشاهده، فكيف لو كان في بلدٍ بعيد، وفي زمنٍ بعيد، وقد انقضى؟ فكيف يعلم ذلك فيما انقضى عليه قريبٌ من أربع مئة سنة في مكان بعيد.

وقد تطرَّق التعصب في الواقعة، فكثرت فيها الأحاديث من الجوانب، فهذا أمرٌ لا تعرف حقيقته أصلاً، فإذا لم يعرف، وجب اجتناب (٤) الظن بكل مسلم يمكن إحسان الظنِّ به، ومع هذا، فلو ثبث على مسلم أنه قتل مسلماً، فمذهب أهل الحق أنه ليس بكافرٍ، والقتل ليس بكفر، بل هو معصيةٌ، وإذا مات القاتل فربما أنه مات بعد التوبة، والكافر لو تاب من كفره، لم يجز لعنه، فكيف من تاب عن قتلٍ، ولم يُعرف أن قاتل الحسين عليه السلام مات قبل التوبة وهو الذي يقبل التوبة عن عباده، فإذاً لا يجوز لعن أحد (٥) ممن مات (٦) من


= ورراه الترمذي (٢٠٣٢)، والبغوي (٣٥٢٦) من حديث ابن عمر قوله، وصححه ابن حبان (٥٧٦٣).
(١) في (ش): " محرمة ".
(٢) أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " فيما قاله الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " ٣/ ١٥١ أما من حديث ابن عباس بسند ضعيف.
(٣) " والوزراء " سقطت من (ش) و (ف).
(٤) في " الوفيات ": " إحسان ".
(٥) في (د) و (ش): " أحداً "، وهو خطأ.
(٦) في (ش): " تاب ".

<<  <  ج: ص:  >  >>