للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشهوات، فلم يحتاجوا إلى انتهاك محارم الإسلام، واصطلاح أهل الفضل والعلم، واستئصال شأفتهم، والتَّشفِّي بقتلهم وإهانتهم، بل عادة فجرة أهل الإسلام تعظيم أهل العلم والصلاح، وحبُّهم لله، ورجاء بركتهم، وطلب الدعاء منهم، والتَّقرُّب إلى الله بتعظيمهم، كما أن عادتهم تعظيم المساجد وسائر الشعائر، ولا سيما الحرمين الشريفين ومن سكنهما أو عاذ بهما (١)، ومن ثَمَّ فرَّق علماء السنة بين الظلمة، فأجمعوا بعد ظهور فواحش يزيد والحجاج وأمثالهما على الخروج إن أمكن عليهما وعلى أمثالهما ممن لم يبق فيه خيرٌ، ولا يمكن أن تزيد المضرة في الخروج عليه على المضرة في بقائه كما قدمنا نقل ذلك عنهم، واختلف رأيهم فيمن سوى ذلك من غير تأثيمٍ للخارج عليهم، وما روي عن ابن عمر من الإقرار بالسمع والطاعة ليزيد فلا (٢) سبيل إلى أنه قاله بعد إحداث يزيد مختاراً غير متَّقٍ، وكيف لا يتَّقي وقد طلب يزيدُ الناس البيعة على أنهم عبيدٌ، وأمر بضرب رقبة من ذكر البيعة على كتاب الله، ولذلك تكلم ابن عمر في ذلك بعدما زالت التَّقيَّةُ، فروى عنه البخاري أن رجلاً سأله عن دم البَعُوض، فسأله: ممن أنت؟ فقال: من أهل العراق، فقال ابن عمر: انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " هما ريحانتاي في الدنيا " وفي رواية: " ريحانتي ".

قال ابن دحية: تفرَّد بإخراجه البخاري من طريقين في كتابين: في كتاب المناقب وفي كتاب الأدب (٣).

وفي هذا (٤) أعظمُ دلالة لابن عمر أنه معتقدٌ لاعتقاد كل مسلمٍ في تقبيح ما جرى إلى الحسين عليه السلام وأصحابه، وإن اتَّقى في بعض الأحوال كما اتَّقى عمارُ بن ياسر من (٥) المشركين، فقال بكلمة الكفر وقلبه مطمئنٌّ


(١) في (ش): " أعاذ ".
(٢) في (ش): " ولا ".
(٣) تقدم تخريجه ص ٥٠ من هذا الجزء.
(٤) في (ش): " ذلك ".
(٥) في (ف): " عن ".

<<  <  ج: ص:  >  >>