للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأبعد (١) من ارتكاب القطع بأن ملاحدة الباطنية يُختم لجميعهم بالخير، أو ينكر المعلوم مِنْ تعظيمهم له وحبِّهم، والقرائن شاهدةٌ بذلك، والحكم للظاهر، فهذه أدلة أهل السنة أو بعضها من الأثر.

قالوا: وما المانع من تأويل علي ما يوافق تعظيمه عليه السلام وسائر أفعاله، وقد وجب تأويل كثيرٍ من كتاب الله وسنة رسوله فإجماع العترة والأربعة مع الإنصاف، وتعظيمه عليه السلام، وعدم الميل والجَنَفِ، ومراقبة الله في ذلك كله. وبعد ذلك من النظر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مؤيد بالعصمة فيما حكم به على بعض من تقدم من النفاق ونحوه، وإن لم يُسند ذلك إلى الوحي، فلا شك أنه معصومٌ فيما فعله، وإن استند إلى الاجتهاد، وعند الفريق الأول أن امتناعه من إجراء أحكام المنافقين في حديث أبي سعيدٍ ونحوه إنما هو لمصالح ظاهرةٍ، كقوله في الملاعنة: " لولا الأيمان، لكان لي ولها شأن " (٢)، وقالوا: ليس ذلك بنافع لهم، كما أنه صلى - صلى الله عليه وسلم - على عبد الله بن أبي بن سلولٍ لمصلحةٍ، واستغفر له، وإن لم يكن ذلك نافعاً له (٣).

ومن أحسن ما احتج به أهلُ السنة في كراهة سبِّ الفجرة، مع اعتقاد فجورهم، أحاديث النهي عن سبِّ الموتى، فإنهم قد أفضوا إلى ما عملوا (٤)، لأنها خاصة، لم تُعارَضْ إلاَّ بالعمومات، ولكن معناها في أهل الفجور، وإن سلّم أنها تعمُّ أنهم قد وقعوا في اللعنة والعذاب، فلا معنى لسؤال ذلك، لأنه بمنزلة تحصيل الحاصل، فكان كقول القائل:

وهذا دعاء لو سكتُّ كُفيتُه ... لأنِّي سألتُ الله ما هو فاعلُ


(١) في (ف): " بأعظم ".
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) انظر " البخاري " (١٣٦٦) و (٤٦٧١)، و" أحمد " ١/ ١٦، و" الترمذي " (٣٠٩٧)، و" النسائي " ٤/ ٦٧ - ٦٨، و" ابن حبان " (٣١٧٦).
(٤) انظر ٥/ ٣٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>