للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدل على أنهم اعتبروا دفع المفسدة الكبرى بالصغرى للضرورة، كما صرّح في مواضع من قواعده، وعظَّم ثمرة معرفته ذلك، ومفسدة جهله.

الفائدة الثانية: أن الفقهاء قد أطلقوا القول بانعقاد إمامة المتغلِّب للضرورة، والذي لا يتأمَّل كلامهم يُنكره لظنِّه أن مرادهم أنه إمامٌ على الحقيقة، وإنما أرادوا ما ذكرنا مِنْ جواز أخذ الولاية منهم لتنفيذ الأحكام المتعلقة بالمصالح العامة، لاضطرار المسلمين إلى ذلك، كما سنبيِّنُه. والذي يدل على هذا وجوه:

الوجه الأول: أنهم نصُّوا على اشتراط العدالة في الإمام، وهذا واضحٌ.

الثاني: أنه لو كان الجائر عندهم إماماً حقيقياً (١)، لم يحرِّموا نصبه، والرضا به، والاختيار له.

الثالث: أنه لو كان عندهم إماماً حقيقياً، لم يصوِّنُوا من خرج عليه، وينصُّوا على أنه ليس بباغٍ.

الرابع: أن النواوي لما ذكر في " الروضة " (٢) عن الشافعي القول بنفي الرد، ونفي توريث ذوي الأرحام، ذكر أن ذلك على الصحيح عندهم إنما يكون على استقامة بيت المال بولاية العادل، وأنه متى ولي بيت المال جائرٌ، رُدَّ بقيَّةُ المال على الورثة، وَوُرِّثَ ذوو الأرحام، ولم يُعط الإمام الجائر. قال: وبه أفتى أكثر المتأخرين. قال: وهو الصحيح أو الأصح عند محقِّقي أصحابنا ومتقدميهم.

قال ابن سراقة (٣): وهو قول عامة مشايخنا، وعليه الفتوى اليوم في


(١) في (ش): " حقيقة "
(٢) ٦/ ٦.
(٣) هو الحافظ الفقيه الفرضي أبو الحسن محمد بن يحيى بن سراقة العامري البصري. توفي في حدود سنة ٤١٠ هـ. انظر " طبقات السبكي " ٤/ ٢١١ - ٢١٤، و" سير أعلام النبلاء " ١٧/ ٢٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>