للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد علمنا على الجملة أن الله تعالى ما قصد بإقامة الحُدود وشرعها إلاَّ زجر أهل المعاصي، ولا قصد بالجهاد إلاَّ حفظ الحَوْزَةِ، وإرغام العدوِّ، فمتى توقفت على شرط، وتعذر تحصيله، لم يعتبر ذلك الشرط.

وقد ذكر العلماء لهذا نظائر، فمنها نكاح المرأة بغير إذن الوليِّ متى غاب وليُّها وبَعُدَ مكانه، أو جُهِلت حياته، فقد ترك كثير من العلماء شرط العقد المشروع، وهو رضا الولي لأجل مصلحة امرأةٍ واحدةٍ، وخوف مضرة امرأة المفقود، فكيف بمصلحة عوالم من المسلمين وخوف مضرتهم.

ومنها الانتفاع باللُّقَطَة بعد تعريف سنةٍ، لأن المال مخلوقٌ للمنفعة، فلما تعذر انتفاع صاحبه به (١) انتفع به غيره، لئلاَّ يبقى هملاً لا نفع فيه، ولهذا قال عليه السلام في ضالة الغنم: " إنما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب " (٢) فزال شرط حِلِّ المال، وهو رضا المالك لما تعذر، فهذه شخصية غير ضرورية، فكيف بالكلية الضرورية؟

ومنها ما ذكره المنصور بالله عليه السلام، فإنه ذكر في " المهذب ": أن العدالة في الشهادة إنما شُرِعَتْ لحفظ أموال الناس، فإذا خلت بعض البلاد من العدول، وجب ألا تعتبر العدالة، وقبلنا شهادة قُطَّاع الصلاة والطريق متى كانوا من أهل الصدق، لأنا لو اعتبرنا العدالة، لأضعنا أموال الناس التي لم تُشرع العدالة إلاَّ لحفظها، واحتج عليه السلام بأن الله تعالى قد أجاز قبول (٣) شهادة الكفار من اليهود والنصارى في السفر، لأن المسافر من المسلمين إلى أرض الكفار يحتاج إلى شهادتهم، وعنى بذلك قوله تعالى: {أو آخرانِ من


(١) " به " ساقطة من (ش).
(٢) أخرجه من حديث زيد بن خالد الجهني مالك ٢/ ٧٥٧، ومن طريقه الشافعي ٢/ ١٣٧، والبخاري (٢٣٧٢) و (٢٤٢٩)، ومسلم (١٧٢٢)، وأبو داود (١٧٠٥)، وابن حبان (٤٨٨٩).
(٣) في (ف): " قد قبل ".

<<  <  ج: ص:  >  >>