للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض} الآية [المائدة: ١٠٦]، وقد تقدم ذكرها.

قلت: ولذلك قَبِلَ بعض العلماء شهادة الصبيان فيما بينهم قبل التَّفرُّق، لأنه لا يمكن حضور العدول معهم في ملاعبهم، وسائر أحوالهم، والعادة جرت بانفرادهم، ولهذا قُبِلَتْ شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض.

إذا عرفت هذا، فاعلم أنه لو بقي عامة المسلمين في قدر ستمئة سنة في أقطار الإسلام وأمصاره لا يُنَصَّبُ فيهم قاضٍ، ولا يُحكم بين المتنازعين منهم، ولا يُقام فيهم حدٌّ، ولا يجاهد فيهم عدوٌّ، لَعَظُمَتْ بهم المضرة بغير شك، وقد علمنا أن هذه الأشياء ما شُرِعَت إلاَّ لمصالحهم، فوجب الحكم بتنفيذها عند عدم شرطها " (١) لأجل الضرورة لما تقدم نظائر ذلك، ومن لم يفرق بين حالي الاختيار والاضطرار، فقد جهل المعقول والمنقول.

أمَّا المعقول، فلإجماع العُقلاء على دفع أعظم المفسدتين بأهونهما، ومن ثم قالوا:

حَنَانَيْكَ بَعْضُ الشَّرِّ أهون من بعض (٢).


(١) في (ف): " شروطها ".
(٢) عجز بيت لطرفة بن العبد وصدره:
أبا منذرٍ أفنيتَ فاستبقِ بعضنا
وهو في ديوانه: ٤٨، و" الكتاب " ١/ ٣٤٨، و" الكامل " ص ٧٣٢، و" المقتضب " ٣/ ٢٢٤، وابن يعيش ١/ ١١٨، و" مجمع الأمثال " ص ٩٤، " اللسان ": " حنن "، و" الهمع " ١/ ١٩٠.
وأبو منذر: كنية عمرو بن هند يخاطبه حين أمر بقتله، وذكر قتله لمن قتل من قومه تحريضاً لهم على المطالبة بثأره.
وقوله: " حنانيك " مثنى حنان، والحنان: الرحمة، نصب على المصدر النائب عن الفعل، وقد ثني لإرادة التكثير، أراد حناناً بعد حنان، أي: كلما كنت في رحمة منك، فلتكن موصولة بأخرى، وهذا المثنى لا يجيىء إلاَّ مصدراً منصوباً، ولا يكون مثنى إلاَّ في حال =

<<  <  ج: ص:  >  >>