للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن جوَّز أمراً للضرورة، ونسب إليه جوازه مطلقاً، كان الناسب إليه من الكاذبين، بل كالنَّاسب (١) إلى كتاب الله تعالى جواز الكفر والمحرمات مطلقاً.

وقد ورد القرآن الكريم بقتل النفس لمصلحةٍ غير كلية في قصة يونس عليه، وأنه لما عرف أن أهل السفينة يغرقون جميعاً إن لم يُلْقِ أحدهم بنفسه إلى التهلكة ويرم بها في البحر، رأى أن رمي أحدهم بنفسه وحده (٢) أهون من موتهم الجميع، فرمى - صلى الله عليه وسلم - بنفسه الشريفة، حين وقع السهم عليه، قال الله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: ١٤١ (٣)].

ولا شك أن قتل النفس في أصل الأمر حرامٌ، لكن جاز للضرورة، وهذا في فعل المحرم في الشرع لمصلحة، فأولى وأحرى أن يجوز ما ورد الشرع به من إقامة الحدود ونحوها للمصلحة، لأنه في نفسه مصلحة، لكن فقدَ بعضَ شُروطه، وعمل المصلحة المشروعة عند فقد بعضِ شُرُوطها للضرورة أولى من عمل المفسدة للضرورة مثاله: الصلاة بغير طهور ولا تيمُّم للضرورة (٤)، أهونُ من أكل الميتة للضرورة، ولم يزل العقلاء يدفعون المضرة العظمى بما دونها، ويستحسنون قطع العضو خوفاً من السراية.

وقد ذكر علماء الأصول الكلام في المصالح، وطوَّلوا القول فيه، ومما ذكروه: أن الكفار إذا تترَّسوا بمسلم، ولم يمكنا قتالهم حتى نقتله، وخِفنا إن لم نقتله (٥) أن يقتلونا ويقتلوه معنا، أنه يجوز لنا قتله، وشرط الغزالي أن تكون


= ومسلم (٢٠٧٦)، والنسائي ٨/ ٢٠٢، وابن ماجه (٣٥٩٢)، وابن حبان (٥٤٣٠) و (٥٤٣١) عن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام في لبس الحرير من حِكَّةٍ كانت بهما.
(١) في (ش): " كان الناس " وهو خطأ.
(٢) " وحده " ساقطة من (ش).
(٣) انظر " تفسير الطبري " ٢٣/ ٩٨ - ٩٩، و" ابن كثير " ٣/ ٢٠١ و٤/ ٢٣ - ٢٤، و" الدر المنثور " ٧/ ١٢١ - ١٢٩.
(٤) " للضرورة " ساقطة من (ف).
(٥) عبارة " إن لم نقتله " ساقطة من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>