للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجراً من العافية، فالسنة: الرغبة إلى الله تعالى في العافية، فالبَشَرُ ضعيفٌ، والصبر قليلٌ، وقد حكى الله تعالى عن أيوب عليه السلام أنه شكا إلى الله تعالى ما نزل به من الضُّرِّ، وقال: {أنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وأنت أرحم الراحمين} [الأنبياء: ٨٣]، فهذا أيوب الذي قال الله تعالى فيه: {إنَّا وَجَدْنَاهُ صابراً نِعْمَ العبد إنه أوَّابٌ} [ص: ٤٤] فكيف بغيره؟

فإن قلت: عادة أهلِ العلم التزهيد في الدنيا، وهذا الكلام كالمناقض (١) لذلك؟

قلت: ليس كذلك، فإن لكلِّ مقامٍ مقالاً، فالعلماءُ زهَّدوا في الدنيا خوفاً من معصيةِ الله تعالى في الوقوع في الحرام، وخوفاً من الاشتغال عن طاعةِ الله تعالى بمباحها.

وأنا بيَّنْتُ المباح من الحرام خوفاً من معصية الله تعالى في تأثيم من تناول المباح، ورد حديثه والقدح في عِرضه، فالكل قاصدٌ لنصيحة المسلمين، وتحذيرهم من الوقوع في معصية ربِّ العالمين، وقد ذكر بعض العلماء وجوب كسب الحلال، وقال: إنما (٢) تركنا حثَّ الناس عليه لأن في طبع البشر ما يكفي، وما زال أهل الزهد والرقائق يُقَبِّحُون حب الدنيا حتى غَلِطَ في ذلك من لا فقه له، وظن أن من تناول شيئاً من الدنيا من أهل العلم، فقد حل عرضه، وبطلت عدالته.

وقد ذكر الغزالي في كتاب " الإحياء " (٣) مفاسد المخالطة ومصالحها، فذكر ما يليق بحال كتابه في التَّرفُّق والوعظ.

وأنا ذكرت هنا ما يليق بمقتضى الحال من تعريف محضِ الشَّرع، وصريح الحق، وذلك لا يتناقض عند أهل البصر والمعرفة، وقد ذكر ابنُ بطَّال


(١) في (ف): " مناقض ".
(٢) في (ف): " قال: وإنما ".
(٣) ٢/ ٢٢١ - ٢٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>