للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من شرع من قبلنا، وقد تقدم أن المنصور بالله وغيره من العلماء قالوا: إنه حجة إذا ذُكِرَ في كتابنا، وقد ثبت الدليل على صحة ذلك فيما تقدم، وليس ينبغي أن نعترض هذه الحجة بأن يوسف عليه السلام نبيٌّ، فإنه لو لم يكن نبياً، لم يحتج بذلك، فتأمَّل ذلك.

الحجة الرابعة: أن الأصل الإباحة، ولا دليل صحيح ينقُلنا عنه، ولنقتصر على هذا القدر في الاحتجاج على إباحة هذا الأمر، لا على استحبابه، فتركُه أفضلُ بلا ريب.

الحجة الخامسة: ما حكاه السيد عن القاضي والحاكم -وهما شيخا الاعتزال- من الاحتجاج على جواز ذلك بقوله تعالى: {فقولا له قولاً ليِّناً لعله يَتَذَكَّرُ أو يخشى} [طه: ٤٤]، وقولهما: إن الظالم أولى بذلك من الكافر، وقد تقدم ذلك مستوفى في مسألة المتأولين، وتقدم بعضه قريباً في أوَّل هذه المسألة.

ويلحق بهذه الجملة تنبيهٌ عظيم النفع، وهو يشتمل على أمرين:

أحدهما: أن الحاجة إلى معرفة هذه المسألة عامة، فالكل مُبتلى بها، إلا النادر، فالأئمة مُبْتَلَوْن بها لمخالطتهم للفَسقة من الجُند والأعوان، ومن ليس من أهل الأمر، ومن لا يخالطهم، فهو مبتلى بمخالطة قُطَّاع الصلاة من العامة، ولكثيرٍ من أهل المعاصي، أما الكبائر أو الملتبسة كالغيبة ونحوها، ولا يكاد الإنسان يسلم من مخالطة من هذه صفته من جيرانه وأهله وأعوانه على الدنيا، بل قد تكون الزوجة والولد كذلك، وأمثال هذا كثير.

الأمر الثاني: أن مُنتهى ما في الباب أن يقوم عند بعض أهل المعرفة دليلٌ على تحريم المخالطة للملوك من غير فعل حرام، لكن هذا لا يقتضي جرح من فعل ذلك. لأن هذه مسألة ظنية، والدليل فيها من كلا الجانبين غير قاطعٍ، فالمعتقد لتحريم ذلك يلزمه (١) المخالطة للملوك من غير اجتنابه، ولا يحل له


(١) من قوله: " فعل حرام " إلى هنا، ساقط من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>