للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلتكن هاتان المقدمتان على بالٍ من الناظر في ذلك كي لا يحسب أني لم أُميِّر الفاضل من المفضول، ولم أعرف ما بينهما من الفرق العظيم، وهذا حين أبتدىء في الإشارة إلى ذكرهم على طبقاتهم.

الطبقة الأولى: طبقة الأنبياء عليهم السلام، وقد أشرت إلى مخالطة يوسف عليه السلام لعزيز مصر فيما مضى، وقريبٌ منها مخالطة نوحٍ ولوط لزوجتيهما مع كفر زوجتيهما، وقول نوحٍ عليه السلام: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} [هود: ٤٥] يسأل (١) الله بذلك أن يكون معه في السفينة مخالطاً له وناجياً معه، وهذا إنما يكون حجة إن لم يصح أن ابنه كان منافقاً، وقد رُوِيَ ذلك، والله أعلم بصحته.

فهذا وأمثاله وقع مِنَ الأنبياء عليهم السلام، ولم يجب أن يحملهم على كراهة المعاصي، وكراهة العُصاة على طلاق الزوجة العاصية، وعلى أن لا يرقُّوا لأحدٍ من أرحامهم العصاة (٢)، ولا ذمَّهم الله تعالى بهذا لأجل هذا المعنى، بل أثنى الله تعالى على خليله إبراهيم لما جادل عن قوم لوط، فقال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود: ٧٥]، ولم يزد في نهيه عن ذلك على أن قال: {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [هود: ٧٦].

الطبقة الثانية: الأئمة والسادة من أهل البيت والصحابة رضي الله عنهم، وقد كان الحسن بن عليٍّ عليه السلام يكاتب معاوية، ويدخل عليه، ويأخذ منه العطايا، وذلك على الجملة مشهورٌ في كتب أهل البيت عليهم السلام وغيرهم، ورُوِيَ أن الحسن عليه السلام وعبد الله بن جعفرٍ الطيار عليه السلام سألا معاوية في خلافة عليٍّ عليه السلام، فأعطى كل واحدٍ منهما مئة ألفٍ، فبلغ ذلك عليّاً عليه السلام، فقال: ألا يستحيان من رجلٍ نَطْعُنُ في عينه بُكرة وعشيَّاً يسألانه المال؟!


(١) في (ف): " سأل ".
(٢) " العصاة " ساقطة من (ف).

<<  <  ج: ص:  >  >>