للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن الموالاة المحققة التي هي المحبة تنقسم إلى قسمين قطعي وظني:

فالقطعي: محبة العاصي لأجل معصيةٍ، وهذا القدر هو (١) المجمع على تحريمه دون غيره، ذكر ذلك الإمام المهدي محمد بن المطهر عليه السلام، وهو ينقسم أيضاً، فمنه ما يُجرَح به في الرواية في الحديث، وهو ما وقع على جهة الجرأة دون التأويل، ومنه ما لا يجرح به في الرواية، وإن كان جرحاً في الديانة، وهو ما وقع منه على سبيل التأويل كما قدمنا ذلك في مسألة المتأولين.

القسم الثاني من الموالاة، وهو الظني، وفيه فائدتان:

الفائدة الأولى: أن نصوص أهل المذهب تقتضي الترخيص الكبير في ذلك، فإنهم نصوا على جواز محبة العاصي لخصلة خير منه، ممن نص على هذا: القاضي شرف الدين رحمه الله، وهذا هو الذي جعله القاضي شرف الدين مذهب الهادي مع تشدده عليه السلام في الموالاة، وفيه ترخيصٌ كبير، لأنه قل من ليس فيه خصلة خيرٍ من أهل المعاصي والظلمة، وليس ثبوت فسق فاسق يدلُّ على أنه لم يبق فيه خصلة خير قط، ولو أنك طلبت دليلاً على أن بعض الفسقة أو الكفرة ليس فيه خصلة خير ألبتة، لتعذر ذلك عليك غالباً، بل قياس كلام أهل المذهب جواز محبة العاصي لمنفعةٍ دنيوية، وذلك لأنهم قد أجازوا نكاح الفاسقة بقطع الصلاة وسائر المعاصي، إلاَّ الفاسقة بالزنى.

على أن الفقهاء الأربعة والجمهور أجازوا نكاح الزانية مع الكراهة، لحديث الرجل الذي قال: إن امرأتي لا تَرُدُّ يد لامس، قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " طلقها "، قال: إن نفسي تتبعُها، قال: " فاستمتع بها " (٢).

ولهم في الآية الكريمة تفسيران (٣):

أحدهما: أنها منسوخة، وهو قول سعيد بن المسيب والشافعي.


(١) "هو" ساقطة من (ش).
(٢) تقدم تخريجه ٢/ ١٩٥.
(٣) انظر ٢/ ١٩٥ - ١٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>