للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن لطيف ما يجري في هذا المعنى القدح على كثيرٍ من العلماء الأفاضل بما يجري منهم من الغيبة، أو يجري في حضرتهم ولا ينكرونه، والذي عندي: أن الأولى للمتحرِّي أن يترك الغيبة وينكرها، ولكن لا يقدح على من يفعلها، ولا ينكرها إلاَّ بعد العلم، فإن تلك الغيبة التي صدرت منه غيبةٌ مجمعٌ على تحريمها، مقطوعٌ بقبحها، فإذا وقعت الصورة الظنية المختلف فيها ممن له بصيرةٌ، لم يؤمن أن يكون له وجه تساهله فيها أنه يستحلها، فلا يجوز عقد القلب على سوء الظن به، والقطع بأنه يُقدِمُ على ما يعلم أنه حرام، والله أعلم.

فإذا عرفت هذه الجملة، فاعلم أن الموالاة من جملة المحرمات التي يكون فيها المقطوع بتحريمه، المجمع على تأثيم فاعله، ويكون فيها الظنى الذي كل مجتهدٍ فيه مصيبٌ، فلا يجرح بهذا القدر منها.

وقد كان عمرو بن عبيد على جلالة قدره، وفخامة أمره، يواصل المنصور العباسي، لا لتقريره على ما كان فيه من الفساد في الأرض، وقتله أهل البيت عليهم السلام، ولكن ليعظه، وله معه مواقف مشهورةٌ، ومواعظ مأثورة، فلم تحرم صورة المواصلة، ولا مجرد المخالطة (١).

وقد اشتملت هذه الفائدة على جواب ما ذكره السيد من القدح على الزهري بموالاة الظلمة، وتبين بهذا أن ذلك لا يتم للسيد إلاَّ بعد أمورٍ أربعة (٢):

أحدها: أن يدل بدليلٍ قاطعٍ على أن المخالطة لأهل المعاصي محرمةٌ بمجردها، وإن لم يفعل المخالط لهم شيئاً من معاصيهم، ولا يستدل في ذلك بعمومٍ ولا خبرٍ آحادي، فإنهما ظنِّيَّان، ولا بما يجوز (٣) أنه معارض أو منسوخٌ أو نحو ذلك.

وثانيها: أن يدل بدليلٍ قاطعٍ على أنها تستلزم الموالاة المُجمع عليها،


(١) من قوله " وقد كان عمرو بن عبيد " إلى هنا، لم يرد في (ف)، ورمج عليه في (د).
(٢) " أربعة " ساقطة من (ف).
(٣) في (ش): " لا يجوز "، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>