للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا ثبت أنه لا يمكن الاحتراز عن (١) حديثهم وروايتهم، ثبت أن القول بأنهم كذبةٌ متعمِّدون يؤدي إلى تحريم القراءة في جميع كتب الحديث مصنَّفات الزيدية والفقهاء، وهذا قولٌ مُخالفٌ للإجماع، وهذا الوجه غير الذي قبله، فلا يقع في ذلك (٢) وهم.

الوجه الرابع: أنا قد بيَّنَّا فيما تقدم رواية إجماع الصحابة على قبول المتأوِّلين، وأقل الأحوال أن تكون تلك الطريق (٣) توجب أنهم يقولون بذلك، فمع القطع بأن المتأولين هم الذين كذبوا هذه الأحاديث، لا ندري (٤) هل الفساق منهم هم الذين كذبوها أم الكفار، فالكل ممن لا يُنَزَّهُ عن تعمُّد الكذب، عند السيد، ومع هذا، فلا ندري فلعل الفُسَّاق المتأولين من الصدر الأول وقت الصحابة هم الذين كذبوهم، وعدول الصحابة، وإن لم يكونوا متَّهمين في أنفسهم لكنه يجوز أن يستحلُّوا الرِّواية عن فُسَّاق التأويل المتَّهمين، فيلزم أن لا يُقبل ثقات الصحابة إلاَّ إذا صرَّحُوا بالسماع، فالعنعنة محتملة، وتجويز توسُّط المتأوِّل (٥) بين أهل العدل محتملٌ لجواز أن يذهب العدلي إلى ذلك، وهذا سد لباب الرواية، ومحوٌ لآثار العلم، وتعفيةٌ لسُبل الشريعة، ومخالفةٌ لإجماع الأمة، فلهذا اخترنا القول بتأويل ما في الصحاح محبَّةً للبقاء على ما كان عليه سلفنا الصالح من أهل البيت عليهم السلام، وسائر علماء الإسلام، وكراهة الابتداع والغلوِّ في الدِّين، لا محبِّةً لتلاوة المتشابهات، ولا شَغَفَاً بظواهر أحاديثِ الصفات. فهذا هو المرجِّحُ الأول الذي بينته. على أن تكذيب رواية الصحاح يُؤدِّي إلى خلاف ما انعقد عليه الإجماع، وقد تبين ذلك بهذه الوجوه الأربعة، ولله الحمد.

المرجح الثاني: قوله تعالى: {ولا تَقْفُ ما ليس لك به عِلْمٌ} [الإسراء:


(١) في (ف): " من ".
(٢) " في ذلك " ساقطة من (ش).
(٣) في (ش): " الطرق ".
(٤) " لا ندري " ساقطة من (ف).
(٥) في (ش): " المتأولين ".

<<  <  ج: ص:  >  >>