للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المرجِّح الرابع: أن الخطأ في العفو أولى مِنَ الخطأ في العقوبة، والقطع على حال الرُّواة بتعمُّد الكذب عقوبةٌ، والوقف (١) في ذلك عفو، والحمل على السلامة ظنٌّ جميلٌ، ولعلَّهم قد بلَّغُوا منه ما سمعوا منه، امتثالاً للأمر النبوي، حيث قال: " ليبلِّغِ الشاهد الغائب " (٢)، ولعلَّهم قد شملتهم الدعوة المباركة النبوية، حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: " نضَّر الله امرءاً سمع (٣) مقالتي، فوعاها، ثم أداها كما سمعها إلى من لم يسمعها " (٤). وأنت يا هذا لضيق فهمِكَ، وقِلِّةِ علمك، تكذِّب من امتثل أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تبليغِ كلامه الحق الذي لم يقُلْهُ عبثاً، ولا نطق به سدىً: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣ - ٤].

وكم من عائِبٍ قولاً صحيحاً ... وآفتهُ من الفهم السَّقيمِ (٥)

المرجِّح الخامس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلَّف فينا ثقلين، ووعدنا بالأمان من الضلال أبداً ما تمسكنا بهما (٦)، فرجعنا إليهما فلم نجد في واحدٍ منهما الأمر بأنا نقطع بعجز جميع الراسخين في العلم -عليٍّ عليه السلام فمن بعده- عن تأويل تلك الأحاديث، فوقفنا في ذلك ووسعنا في الصمت عن تكذيب الرواة ما وَسِعَ أمة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - في مقدار خمس مئة سنة، فإن هذه الكتب قد سارت في أقطار الإسلام هذا القدر، وتداولتها علماء الأئمة، ونُصحاء الأمة، ونُقَّادُ النظر والأثر، ما نعلم أحداً ممن يُعتدُّ به من جميع الفرق الإسلامية القائلين


(١) في (ش): " والوقوف ".
(٢) قطعة من حديث مطول تقدم تخريجه ٣/ ٣٧٠.
(٣) في (ش): " عرفها ".
(٤) تقدم تخريجه ١/ ٢٤٦.
(٥) هو للمتنبي من قصيدة مطلعها:
إذا غامَرْتَ في أمرٍ مرومٍ ... فلا تقنع بما دونَ النجومِ
انظر الديوان ٤/ ١١٩ - ١٢٠ بشرح العكبري.
(٦) انظر ١/ ١٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>